من جريمة العصر أي إنفجار الرابع من آب الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصاً من الضحايا الأبرياء وجَرَحَ حوالي 6000 شخص، الى تعطيل التحقيق لسنوات ومنع المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار من متابعة عمله من قبل المشتبه بتورّطهم بإنفجار المرفأ، مروراً بتهجير عشرات الآلاف من اللبنانيين من منازلهم المدمرة... كلها جرائم يبدو وكأنّها لم تكن كافية بحسب البعض لتدمير أهالي الضحايا والجرحى نفسياً والحاق الضرر بهم على كافة الصعد، فقرّر هذا البعض "زيادة الطين بلّة" ممارساً النصب والإحتيال بإسم أهالي الضحايا .!
تلقّيت إتصالاً عبر تطبيق واتساب من رقم لبناني معروف، يبدأ صاحبه كلامه بالقول "ما تسألني كيف جبت رقمك ومين عطاني الرقم، كل يلي بقدر قولو إنو يلي عطاني الرقم قلّي إتصل فيك وإنو أنت ما رح تخذلني وعالأكيد رح تساعدني". أمام هذا الكلام، كان جوابي الطبيعي "تفضّل خبرني شو القصة وإذا كنت قادر ساعدك أكيد ما رح قصِّر"، هنا يجهش صاحب الإتصال بالبكاء ويُعرّف عن إسمه من دون عائلته (تبيّن لاحقاً أن الإسم وهمي) ويقول "أنا والد الممرضة الفلانيّة (لن نذكر الإسم إحتراماً للممرّضة الضحّية ولعائلتها) يلّي سقطت هيي ووالدتها أي زوجتي بإنفجار مرفأ بيروت، وأنا مريض سرطان وبحاجة لمساعدة"، بعدها يتوقف صاحب الإتصال لثوانٍ معدودة عن الكلام ثم يتابع، "هلّق الساعة 2:30 الضهر وأنا عندي على الساعة 7 عشيّة جلسة علاج بالمستشفى وجلسة العلاج بتكلّف 87 دولار وأنا ما معي المبلغ وقالولي ما حدا غيرك قادر يساعدني". هنا وعندما سمعت سعر الـ87 دولاراً فقط لجلسة العلاج، تأكّدت أن الإتصال ليس أكثر من عمليّة نصب أو إحتيال، فأجبت، "أنا مش ببيروت هلق وموجود بمنطقة جبليّة وما في بالقرب منّي ولا شركة تحويل أموال حتى حوّلك المبلغ" عندها تمادى المتّصل بوقاحته وقال "يا أستاذ إنت قلّي إنك رح تساعدني عالأكيد وأكّدلي الموضوع وأنا مستعد أمّن المبلغ من حدا وأعمل العلاج وبعدين باخد منك المصاري".
هنا وكي أعطي نفسي الوقت المطلوب للتأكد من صحة ما يقوله طالب المساعدة وإذا كان ينتحل صفة أحد أهالي الضحايا أم لا، أنهيت إتصالي معه بالقول "أعطيني شوية وقت وأنا برجع بحكيك".
على الفور تواصلت مع أهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت الذين تربطني بهم علاقة قويّة جداً بحكم متابعتي لقضيّتهم منذ وقوع الإنفجار، ورويت لهم ما حصل معي طالباً منهم التأكّد من الرقم الذي إتّصل بي وإذا كان صاحبه فعلاً هو والد ممرضة ضحيّة سقطت ووالدتها بإنفجار العصر كي نؤمّن له المبلغ المطلوب لتلقّي العلاج، وعلى الفور أيضاً جاءت الأجوبة أنّ المتّصل إنتحل صفة أحد أهالي ضحايا إنفجار المرفأ بهدف النصب والإحتيال، وهو شخص غير موجود وما من أحد من الاهالي سمع بقصته مسبقاً، ولو كانت قصته حقيقية وصحيحة بحسب الأهالي، لكان طرح طلب المساعدة أولاً على مجموعات الواتساب الخاصة بأهالي الضحايا وهذا الأمر لم يحصل على الإطلاق".
فعلاً هي قمّة الوقاحة وقلة الضمير عندما يلجأ أحدهم الى إنتحال صفة ضحّية للحصول على مساعدة عبر النصب والإحتيال، وإذا كان فعلاً يحتاج الى هذه المساعدة وطلبها من دون إنتحال صفة ومن دون نصب وإحتيال، لكان حصل عليها بسرعة لا يتوقعها.
رقم المتصل –منتحل الصفة أصبح مع أهالي ضحايا إنفجار المرفأ، وقرار ملاحقته قضائياً حقّ لهم والأمل كل الأمل ألاّ يقرأ صاحب الإتصال ما كتبته وألا يكرر فعلته ثانية".