على وقع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة في شهره العاشر، نجحت الفصائل الفلسطينية في ختام اجتماعات جامعة عقدتها في الصين الأسبوع الماضي، في تجاوز خلافاتها واتفقت على الوصول إلى "وحدة وطنية شاملة" تضم كافة القوى في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل حكومة وفاق وطني موقتة.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن أهمية اللقاء الفلسطيني أنه جمع حركتي "فتح وحماس"، بعد اتساع هوة الخلافات بينهما عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس في 7 تشرين الثاني 2023 والتراشق الإعلامي بين الطرفين من جهة، وتأجيل لقاء ثنائي بينهما كان مزمعا عقده في بكين نهاية شهر حزيران الماضي استكمالاً لحوار سابق جمع الطرفين في نيسان الماضي في بكين.

وتوضح المصادر، أنّ الأهمية الأخرى تكمن في دخول الصين على خط الوساطة نظرا لعلاقاتها الجيدة مع الطرفين، وثقلها الدولي في ظلّ صراع النفوذ مع الولايات المتحدة الأميركيّة، المتّهمة بالانحياز الكامل إلى "إسرائيل" على أبواب انتخاباتها الرئاسية في تشرين الثاني المقبل وعزوف الرئيس جو بايدن، ما يُعتبر ملاذا آمنا للهروب من الضغوط عليهما.

وتؤكد المصادر، أن الأهم هو الخطوة التي جاءت لتقطع الطريق عن الحديث المتزايد عن اليوم التالي بعد الحرب على غزة وكيفية حكم القطاع، إذ الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية يؤكد أن تحديد مصيره في المستقبل هو قرار فلسطيني ومسؤولية مشتركة، بخلاف المساعي الإسرائيلية تشكيل إدارة مدنية مرتبطة بها. "حماس" تدرك ضمنياً أن تل ابيب لن ترضى بعودتها إلى حكم غزّة من جهة، والمجتمع الدولي لن يموّل إعادة الإعمار عبرها من جهة أخرى، بل عبر منظمة التحرير كممثّل شرعي معترف به.

وفق معلومات "النشرة" والتي لم ترد في بنود الاتفاق الرسمية، فقد جرى التوافق على وقف الحملات السياسية والإعلامية بين فتح وحماس، التأكيد على أهمية الالتزام بتطبيق بنوده دون مماطلة أو تسويف، إذ في الاتفاقات السابقة كان يتم التوافق على مخرجات محددة ولا تنفذ، واعتبار الأمناء العامين للفصائل لجنة متابعة لتنفيذ البنود.

العمل المشترك

وفيما يبقى الاختبار الأول والتحدي الأكبر في النجاح بتشكيل حكومة الوفاق الوطني بأسرع وقت ممكن، واعادة بناء منظمة التحرير، فإن الاتفاق انعكس إيجابا على الساحة الفلسطينية في لبنان التي شهدت مباشرة اجتماعا لـ"هيئة العمل المشترك" وذلك في سفارة دولة فلسطين في بيروت، وبمشاركة السفير أشرف دبور ومسؤول الملف الفلسطيني في حركة أمل محمد الجباوي.

وإذ دعت الهيئة إلى الشروع فوراً لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، عاهدت الشعب الفلسطيني في لبنان، على صون وحماية المخيمات والتجمعات الفلسطينية، والوقوف صفاً واحداً في وجه كل من يحاول العبث بأمن واستقرار المخيمات الفلسطينية والجوار اللبناني الشقيق. وتؤكد وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق ومقاومته في الدفاع عن لبنان، بوجه أي عدوان صهيوني محتمل أو أي جهة معادية كانت.

وتؤكد معلومات فلسطينية لـ"النشرة"، إن مؤشرات غير مطمئنة رصدت في بعض المخيمات بعد سلسلة من الإشكالات والأحداث الأمنية المتنقلة، وسط أجواء من التشنج جراء عدم معالجة مشاكل سابقة بتسليم المتهمين بجرائم القتل إلى السلطات اللبنانية وفق الإجماع الوطني والإسلامي، ما يجعل الساحة خصبة لأي توتر"، مشددة على أن "الهيئة المشتركة جادة في قطع الطريق على أي فتنة".

حركة "حماس"

ويقول مسؤول العلاقات الوطنية لحركة "حماس" في لبنان أيمن شناعة لـ"النشرة"، أن تفعيل هيئة العمل المشترك جاء ليحاكي الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وما يتعرض له من مجازر وإبادة واعتداءات، لقد استشهد نحو 40 ألف وجرح أكثر من 90 ألف وفقد نحو 10 آلاف وجرى تدمير البنى التحتية برمتها، كذلك في ظل الاتفاق الفلسطيني في بكين برعاية الصين، وما يتطلب من موقف موحد لمواجهة كل التحديات والمخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية برمتها.

وأضاف شناعة، إن تفعيل "هيئة العمل المشترك" أمر هام وضروري خصوصا وأن هناك تحديات كثيرة تواجه المخيمات الفلسطينية في لبنان، في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة والضفة، حيث نخشى من إستهداف المخيمات أمنيا وسياسيا نظرا لما تمثله من رمزية للوجود الفلسطيني، لذلك نحن أحوج ما نكون إلى تفاهمات سياسية وأمنية للحفاظ على أمنها واستقرارها وقطع الطريق على أي محاولة للتوتير أو إيقاع الفتنة وللمطالبة باحتياجات الشعب الفلسطيني الإنسانية والخدماتية من وكالة "الأونروا" وغيرها من المؤسسات التي تعنى بالشأن الفلسطيني.

وأكد شناعة "الحرص على تفعيل "هيئة العمل المشترك" وكل أطرها في كل المخيمات، كاشفا عن لقاء ثان سيعقد الثلاثاء لمواصلة البحث في مختلف القضايا الساخنة المطروحة على أن يتحمل الجميع مسؤولياته في كيفية المعالجة وتأمين احتياجات الشعب الفلسطيني"، مشيرا إلى أن "أجواء التوافق في الصين إنعكست إيجابا على لبنان ومخيماتها، ومن الطبيعي أن تترجم في تفعيل "هيئة العمل المشترك" على مستوى المخيمات للحفاظ على الوجود السياسي لها كرمز لحق العودة الى فلسطين.

وختم شناعة إننا في حركة "حماس" وكل القوى الفلسطينية حريصون على تفعيل الهيئة وأخذ دورها بكل أبعادها السياسية والأمنية والاجتماعية في هذه المرحلة المصيرية التي يتربص بنا العدو الصهيوني من أجل إنهاء القضية وشطب حق العودة.

منظمة التحرير

بينما نوه عضو اللجنة المركزية لـ "جبهة التحرير الفلسطينية" وعضو قيادة "منظمة التحرير" يوسف ناظم اليوسف لـ"النشرة" بلقاء الصين الجامع الذي من المتوقع أن ينعكس إيجابا على مختلف الساحات والملفات وفي المقدمة منها لبنان، قائلا "إن حاجة شعبنا الأساسية اليوم كما كانت سابقاً هي وحدته الوطنية الفلسطينية لمواجهة حرب الإبادة الشرسة في فلسطين وجنوب لبنان الذي يدفع ضريبة دفاعه عن قضيتنا الفلسطينية".

وشدد اليوسف على ضرورة توحيد كل الجهود الفلسطينية للحفاظ على أمن مخيماتنا الفلسطينية وجوارنا اللبناني، تحت عنوان "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" والتي هي هيئة تنسيقية ما بين الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان، على أمل أن نصل إلى اليوم الذي نرى فيه وحدة فلسطينية حقيقية في الداخل والخارج تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات.

وختم اليوسف إن المؤامرة على قضيتنا تشتد وتكبر، وعلينا أن نكون على مستوى المسؤولية الوطنية ولنُسّرع في تنفيذ بنود الاتفاقات لجولات الحوار الفلسطيني والتي بدأت من مصر وتم التوقيع عليها في عدة دول حريصة على القضية الفلسطينية ووحدة قواها السياسية وآخرها الصين.

إستهداف "الأونروا"

وبين الصين ولبنان، وفي خطوة أثارت إعتراضا واسعا في الأوساط الدولية والعربية والفلسطينية، أقر الكنيست الإسرائيلي، بتصنيف وكالة "الأونروا" كمنظمة "إرهابية" استكمالا لحربها المفتوحة ضدها في مسعى لإنهاء عملها تحت ذرائع مختلفة في إطار تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.

وتصنيف "الأونروا" جاء ضمن ثلاثة مشاريع قرار أقرها الكنيست وينص الأول على منعها من العمل في الأراضي الإسرائيلية والثاني يهدف إلى تجريد موظفيها من الحصانات والامتيازات القانونية الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة، والثالث على تصنيفها منظمة "إرهابية" ويطالب الحكومة الإسرائيلية بقطع العلاقات معها.

وسيتعين إعادة مشاريع القوانين الثلاثة، إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، للتحضير بالقراءتين الثانية والثالثة اللازمتين لكي يصبح التشريع قانوناً، وفي حال تحولت إلى قانون، فسيتم إنهاء أي علاقة بين إسرائيل والوكالة الأممية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسيتم التعامل معها ومع موظفيها باعتبارها "منظمة إرهابية" وفقا لقانون مكافحة الإرهاب.

ولاقت القرارات إدانات فلسطينية وعربية وفلسطينية، واعتبرتها بأنها تحمل أبعاداً خطيرة على قضية اللاجئين الفلسطينيين وسط استهتار إسرائيل بالقوانين الدولية، حيث يخالف قرار مجلس الأمن رقم (2730) الذي اعتمد بتاريخ 24 أيار 2024، ويلزم الدول احترام وحماية مؤسسات الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني وهو ما ينطبق على "الأونروا" بمؤسساتها وعامليها.