على الرغم من الإنشغال الكبير بالتطورات في قطاع غزة، وإحتمالات تدحرج الأمور على جبهة جنوب لبنان، إلا أن هذا لا يلغي وجود تحولات على مستوى المشهد السوري، تفرض على السلطات اللبنانيّة البحث في كيفية الإستفادة منها، بالنسبة إلى أزمة النازحين السوريين التي تترك، منذ سنوات، تداعيات خطيرة على مختلف المستويات، سواء كانت الإقتصادية أو الإجتماعية أو الأمنية.

في هذا الإطار، يأتي إعلان إيطاليا، في الأسبوع الماضي، عن تعيين مبعوثها الخاص ستيفانو رافانيان سفيراً لها في دمشق، بعد الرسالة التي كانت قد بعثت بها ثماني عواصم أوروبية (إيطاليا والنمسا وكرواتيا وتشيكيا وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا) إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل حول سوريا، تضمنت العديد من الملاحظات حول سياسة دول الاتحاد الأوروبي تجاه دمشق وطرحها التساؤلات عن نتائج سياسة المقاطعة والعقوبات المنتهجة أوروبياً ضد هذا البلد، وإطلاقها توصية واضحة بضرورة إعادة التواصل المباشر مع دمشق، وتعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لهذه الغاية.

وفي حين كان وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكية راديك روبش قد قام بزيارة دمشق، في نهاية نيسان الماضي، من الضروري التذكير بأنّ كل من رومانيا وبلغاريا واليونان وقبرص والتشيك والمجر تربطها علاقات دبلوماسية بدمشق. في حين كانت تركيا قد بادرت، في الفترة الماضية، إلى الإعلان، في أكثر من مناسبة، عن رغبتها في فتح قنوات الإتصال مع الحكومة السوريّة، بعد أنّ كانت قد سبقتها إلى ذلك العديد من الدول العربية، وهو ما توجه بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات من الواضح أن الإنشغال اللبناني بالتطورات على الجبهة الجنوبية، لا يجب أن يلغي أهمية متابعة ملف النازحين السوريين، وبالتالي السؤال عن الأسباب التي تحول دون تسريع الخطوات اللازمة على هذا الصعيد، لا سيما بعد التوصية التي كانت قد صدرت عن المجلس النيابي قبل أشهر.

بالنسبة إلى هذه المصادر، هناك تحولات تحصل على مستوى مواقف العديد من الجهات الدولية تجاه دمشق، ما يحتّم ألاّ يكون لبنان بعيداً عنها لأنه من أكبر المتضررين، ما يفرض التنسيق مع مختلف الدول، خصوصاً الأوروبية منها، التي ترفع الصوت عالياً، نظراً إلى أهمية ذلك في الوقت الراهن، لا سيما أن الجميع يدرك أن مواقف الدول الرافضة، سواء في الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، تمثل العائق الأكبر أمام أي معالجة، وبالتالي من الضروري أن يكون لبنان سباقاً في دعم أي توجه من الممكن أن يشكل ضغطاً على الدول المعارضة، لا سيما فرنسا وألمانيا.

ما تقدم، يقود إلى التأكيد على المعادلة المعروفة في العلاقات الدولية، أي أن الدول تبحث عن مصالحها دائماً، وهو ما يمكن أن يكون التفسير الأفضل للموقف التركي على سبيل المثال، بالإضافة إلى الضغوط التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية، التي تقود إلى الحديث عن إنقسام أوروبي في كيفية التعامل مع هذا الملف، حيث أن الصرخة مصدرها الأكثر تضرراً من الهجرة غير الشرعية.

في هذا المجال، تشير المصادر المتابعة إلى أن أنقرة كانت تتصدر قائمة الدول المعادية لدمشق، فهي كانت من المشاركين في الحرب، عسكرياً وسياسياً، لكن عندما وجدت أن مصلحتها هي بالتواصل مع الحكومة السورية، لم تتردد في الإعلان عن ذلك صراحة من أعلى مستوى فيها، أي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتضيف: "في المقابل، نحن منذ سنوات نتحدث عن تشكيل لجان وتأليف وفود، بينما لا يتم الذهاب إلى أي خطوة عملية".

في المحصلة، تجدد هذه المصادر التأكيد على أن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين من أجل التعامل الجدي مع هذا الملف، بالرغم من كل الظروف المحيطة بالواقع الداخلي، حيث تشدد على أن تداعيات هذه الأزمة لا تقل خطراً عن الظروف القائمة على مستوى الجبهة الجنوبية، وتضيف: "لم يعد هناك ما يفرض علينا التأجيل أو التأخر في الذهاب إلى خطوات كبرى".