منذ الزعم الإسرائيلي بمسؤولية "حزب الله" عن حادثة مجدل شمس، دون تقديم أي دليل على ذلك، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التوتر والقلق، على خلفية ما قد تقدم عليه تل أبيب، بسبب تهديدات المسؤولين السياسيين والعسكريين، لكن خلال وقت قصير كان هؤلاء أنفسهم يتراجعون عنها، متحدثين عن سقف أدنى من المواجهة.

على الرغم من الضربة التي نفذتها إسرائيل في قلب الضاحية الجنوبية، يوم أمس،، هناك بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، نظراً إلى أنها تظهر المعادلات التي تم تكريسها، منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أبرزها أنّ تل أبيب خائفة ومترددة، حيث أن العنوان الأبرز لكل النقاشات، التي سبقت الضربة، كان ينحصر بالسعي ألا يقدم "حزب الله" على رد كبير على العدوان، وهو ما بدت عليه التأكيدات التي تلتها، لناحية الإشارة إلى أن العملية إنتهت.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن حالة التردد التي سبقت العملية، بالإضافة إلى السعي إلى إحتواء تداعياتها لاحقاً، لا تعود إلى الموقف الأميركي، على عكس ما كان يروج له طوال الفترة الماضية حول غياب الضوء الأخضر الذي يحول دون ذهاب تل أبيب إلى تصعيد كبير، حيث تلفت إلى أن الولايات المتحدة، منذ اللحظات الأولى، أعطتها "مشروعية" الإعتداء على لبنان بحجة حادثة مجدل شمس، من خلال تبنيها الرواية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تأكيدها حقها بالدفاع عن النفس.

وتوضح هذه المصادر أن الإدارة الأميركية، التي لا تزال تسعى إلى دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى الموافقة على تسوية في غزة، كانت تريد من الجانب اللبناني التغاضي عن الخطوة التي قد يقدم عليها على الجبهة الجنوبية، على قاعدة إحتواء الموقف لمنع التصعيد نحو الحرب الشاملة، بدل أن تبحث جدياً في حقيقة الإتهامات الإسرائيلية، بالرغم من أن تل أبيب عمدت، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، إلى خلق مجموعة واسعة من الأكاذيب، لتبرير عدوانها على القطاع الفلسطيني.

من حيث المبدأ، كانت واشنطن قد تبلغت، كما باقي الجهات الدولية التي تولت نقل تهديدات وتحذيرات إلى بيروت، بأن التعامل مع الإعتداء الإسرائيلي سيكون بحجمه، على قاعدة أن ليس هناك من مبرر له، خصوصاً أن "حزب الله" نفى مسؤوليته عن الحادثة، وبالتالي سكوته عن أيّ ضربة سيعني، بشكل أو بآخر، إعترافاً ضمنياً بمسؤوليته عنها، إلى جانب فتحه المجال أمام تل أبيب، لتكريس معادلات أخرى بحجج مماثلة في المستقبل.

في هذا الإطار، تعود المصادر المتابعة إلى التأكيد بأن الأصل في التردّد الإسرائيلي يعود إلى معادلات الرد القائمة على هذه الجبهة، حيث تخشى من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على أي مغامرة غير محسوبة النتائج، وتلفت إلى أنه لو لم تكن هذه المعادلات قائمة لما ترددت بالذهاب إلى سيناريو الحرب الشاملة منذ البداية، خصوصاً أنها تعلم أن الحزب لم يكشف، حتى اليوم، إلا عن القليل مما لديه من قدرات، عمل على مراكمتها في السنوات التي تلت عدوان تموز من العام 2006.

بالإضافة إلى ما تقدم، تشير هذه المصادر إلى معادلة أشمل تتعلق بأن إسرائيل، في حال العدوان الشامل على لبنان، قد تجد نفسها أمام حرب متعددة الجبهات، في ظل ما يُحكى عن قرار موجود لدى قادة المحور المقابل بهذا الشأن، وهو ما تأخذه تل أبيب بعين الإعتبار، لكن الأهم أنّ واشنطن لا تتجاهل هذا الأمر، وإلا لما كانت لتعارض خروج الأمور عن السيطرة، بدليل مشاركتها في تغطية العدوان على غزة، سياسياً وعسكرياً، وتذكر بأنها هي التي كانت تتولى الدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية، إلى جانب تقديمها السلاح لها.

في المحصلة، تلفت المصادر نفسها إلى معادلة أخرى لا تقل أهمية، تكمن بأن الجيش الإسرائيلي، في الوقت الراهن، غير قادر، بسبب القتال المستمر على جبهة غزة، على الذهاب إلى حرب جديدة، ستكون بالتأكيد أصعب منها، وهو ما كانت تتحدث عنه وسائل الإعلام العبرية، في الفترة الماضية، بشكل دائم، من دون تجاهل عامل الخلافات السياسية الداخلية، والتي تأخذ، في كل يوم، أبعاداً جديدة أخطر من السابقة، وتضيف: "بغض النظر عن عدوان أمس، فإن حالة التردد هذه تعني الكثير، ويمكن البناء عليها في المستقبل، لكن الأساس اليوم هو الخطوات المقبلة التي ستتخذ من الجانبين".