بعد بضعة ايام من الهاجس الذي عاشه اللبنانيون حول قيام اسرائيل بضربة عسكرية على حزب الله على الاراضي اللبنانية، من شأنها ان تخرق القواعد التي تم تحديدها عملياً لتكون بمثابة خط احمر لا يجب تجاوزه كي لا تفلت الامور من عقالها ونتجه صوب الفوضى العارمة في المنطقة ككل، حصلت الضربة مساء امس وكان مسرحها الضاحية الجنوبية لبيروت.

هي ليست المرة الاولى التي يستهدف فيها الاسرائيليون الضاحية الجنوبية خلال الحرب على غزة، فقد سبق واستهدفت القيادي الفلسطيني صالح العاروري المقرب من الحزب في شهر كانون الثاني الفائت في المشرّفية. لم تكن المرة الاولى التي يضع فيها الاسرائيليون -بمعيّة الاميركيين والاوروبيين- الضغوط النفسية على اللبنانيين ويجعلونهم يضربون اخماساً بأسداس في انتظار "الضربة المرتقبة".

متابعون لتطورات الاحداث في المنطقة، وبالاخص للمواجهات بين حزب الله واسرائيل، ادلوا بتصورهم للاحداث خلال محادثة في احدى الصالونات السياسية، وسلّموا اولاً بأن اسرائيل (وتحديداً رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو) لا ينقصها الجنون لاغراق المنطقة بدوامة من الحروب والعنف لا يعرف احداً كيف تنتهي، وانه لولا المصالح الاميركية والاوروبية المهددة، لكنا اليوم في خضم هذه الحروب والفوضى. ولكن هؤلاء شددوا على بعض الامور التي تجعل التهديد بالذهاب الى حرب شاملة جراء الضربة الاسرائيلية، امر مبالغ فيه لاسباب كثيرة اهمها:

-لا تشكل مجدل شمس نقطة مهمة بالنسبة الى المسؤولين الاسرائيليين، فهي غير متعاطفة معهم ولم تستقبل نتنياهو ولا المسؤولين الرسميين الاسرائيليين لتقديم التعازي بالضحايا الذين سقطوا، وبالتالي ليس هناك من سبب لاعتبارها "معقلاً" او "مركزاً" مهماً للرسميين، كما ان موقعها هو في الجولان المحتل، وبالتالي ليس في قلب تل ابيب او المناطق التي تعتبرها اسرائيل حيوية واساسية بالنسبة اليها. وهذا الامر بذاته يدفع الى فهم السياسة التي اتّبعها نتنياهو ووزراءه باستغلال الضحايا سياسياً ودبلوماسياً واعتبار أنهم اصيبوا بـ"خسارة شخصية"، فيما الواقع يقول بأنهم لم يتأثروا فعلياً بما حصل، ولكنهم يعملون على كسب نقاط في المواجهة والتحوّل من الجلاد الى الضحية.

-لم يثبت بعد بما لا يقبل الشك، ان الصاروخ الذي سقط مصدره حزب الله، فقد نفى الحزب ذلك فيما اكده المسؤولون الاسرائيليون. واذا كانت الموضوعية هي التي يجب الركون اليها، فيجب انتظار الادلة او التحقيقات المحايدة لاظهار حقيقة ما حصل. ولكن في ظلّ غياب هذا الطرح، ومع رفض الاسرائيليين تحقيقات الامم المتّحدة وهو ما دعا اليه لبنان، فيجب الاكتفاء بـ"الحكم" الاميركي الذي اكد ان حزب الله هو المسؤول عن اطلاق الصاروخ ولكن "عن طريق الخطأ" اي من دون قصد. والتمعّن في الموقف الاميركي هذا، وفق المتابعين، انما يدلّ على ان الاميركيين اعطوا الاسرائيليين نقطة، في مقابل ضمان الاّ يخرج الردّ عن المألوف. بمعنى آخر، ما قاله الاميركيون عملياً هو انه يمكن لاسرائيل ان ترد انما ضمن حدود معيّنة (كعملية اغتيال مثلاً، وهذا ما حصل.

-بمجرد تأخر الرد الاسرائيلي، فهذا يعني ان الضربة كانت "مدروسة" وان التنسيق كان سيد الموقف.

وفي غياب امكانية قراءة المستقبل، فإن القراءة الموضوعية والمنطقية لمجريات الاحداث، تفيد بأن الحزب لن يعمد الى فتح الحرب الاقليمية، وكلام الاسرائيليين لجهة ان الكرة في ملعب حزب الله في ما خص الذهاب الى حرب شاملة، كفيل بتاكيد انهم انهوا ردّهم حتى ولو لم ينجحوا في اغتيال فؤاد شكر، ومن المتوقع ان يرد الحزب بضربة من العيار نفسه. ورأت مصادر متابعة ان تكون الضربة اما قاعدة عسكرية كبيرة يتم استهدافها للمرة الاولى على مسافة بعيدة تقريباً من الحدود، واما تجمع لضباط وعسكريين، لانه باعتبار المصادر، استهداف تل ابيب بضربة هامشية لن يشكّل رداً مناسباً.

وعليه، ترى المصادر ان الامور لا تزال ضمن الحدود المرسومة، وان طبول الحرب الاقليميّة التي قرعت، لم تؤدِّ الى اندلاع هذه الحرب، ولن تحصل في المدى المنظور.

ويبقى مراقبة ردّ فعل الحزب، والهدف الذي وضعه، وما ستؤول اليه الاوضاع في الساعات المقبلة.