لم يكن متوقعاً ان تستهدف إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت، ولا ارسال صواريخها إلى طهران لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية. اساساً، كانت الرسائل وصلت سابقاً إلى "حزب الله" الاّ سماح أميركياً لإسرائيل بتجاوز الخطوط الحمر، والمقصود هنا استهداف بيروت او ضاحيتها الجنوبية. لم تقتصر الرسائل على كلام المسؤولين الاميركيين والأوروبيين، بل كانت القناعة إيرانية الاّ استهداف لمراكز او مقرّات او مكاتب وشقق "حزب الله" ومسؤوليه في بيروت. تلك القناعة تقوم على اساس معادلة:

الاميركيون لا يرغبون بنسف التفاهم الضمني مع الإيرانيين، والذي صاغته اجتماعات سلطنة عُمان، وان واشنطن تضع خطاً احمر للاسرائيليين لا يمكن لتل ابيب تجاوزه، خشية من ادخال الاقليم في حرب واسعة شاملة، لا ترغب بحصولها الولايات المتحدة الاميركية الحريصة على المضي في حياكة خيوط التفاهم مع الايرانيين.

لكن، تبيّن ان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو خطّط لتجاوز الخط الاحمر. ليس المقصود شخصية الهدف كقيادي اساسي في "حزب الله"، رغم اهمية "السيد محسن" (فؤاد شكر) في "المجلس الجهادي" ودوره الرئيسي في رسم قواعد الميدان، كرئيس اركان عسكري للحزب. لكن عقيدة "حزب الله" تقوم على ان الاستشهاد "كرامة من الله"، وبالتالي كل قيادي او عنصر مقاوم هو مشروع شهيد. كما ان الحزب الذي خسر امينه العام السابق السيد عباس الموسوي بإستهداف اسرائيلي، والقيادي عماد مغنية، وشخصيات ميدانية مهمة في العقود الماضية وصولاً إلى اغتيال إسرائيل لعدد من قيادييه في غارات الجنوب خلال الأشهر الماضية، هذا الحزب، لا يضعف بإغتيال قياداته، ولا يشعر بالوهن جرّاء ذلك، كما دلّت التجربة السابقة. بل ان تجاوز الخط الأحمر هذه المرّة تجلّى في جغرافية الاستهداف: حارة حريك في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.

ان الوصول إلى الضاحية لاستهداف قيادي في الحزب، هو رسالة اسرائيلية اولاً بالقدرة على الوصول إلى اي مكان من دون ضوابط ولا خطوط حمراء، وثانياً امكانية تكرار الاستهداف، رغم ان الاسرائيليين حاولوا الايحاء بأن تلك العملية هي رد على حادثة الجولان.

لذا، فإنّ "حزب الله" سيستمهل في دراسة نوعية وحجم ومكان وزمان الرد على استهداف شكر في الضاحية. ولأن الحدث كان في حارة حريك، وليس في اي مكان آخر، وعكس كل رسائل الطمأنة الدولية، والتزام الاميركيين سابقاً بعدم توسيع الحرب لرغبتهم في الحفاظ على التفاهم مع الإيرانيين، فإن الرد لن يكون دون الاخذ بعين الاعتبار الرأي الإيراني: هل سقط التفاهم بين طهران وواشنطن؟ إذا الرد مختلف، اكبر وأكثر فاعلية.

يُضاف إلى ذلك ان إسرائيل استهدفت هنية في ايران، وهو ما يزيد التأكيد على قدرة طهران على التصرف من دون الضوابط الاميركية.

من هنا، فإن الرصد هو لقرار ايران، التي كانت تتعاطى بتوازن مدروس في الاقليم، و تدوزن خطوات حلفائها، فإذا أردات الرد بفاعلية تقود إلى خلط الأوراق تمهيدا لفرض تفاهم جديد، فهي ستستخدم معظم اوراقها ضد إسرائيل. وعلى اساس تلك الفرضية، لا يبقى الخطر وحده من توسيع الجبهة اللبنانية فحسب، بل ستكون كل الجبهات مشتعلة، وهو ما كان حذّر الروس من الوصول اليه عبر كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لكن لا يمكن اسقاط فرضية، ان زيادة منسوب الضغوط والاشتعال الميداني على حافة الحرب الأوسع، يقود ايضاً إلى تسويات تخرج عادة من اعلى درجات التوتر.

فلننتظر الايام القليلة المقبلة التي ستحدد اما التوجه إلى طريق تسويات تنهي الحرب، او تزيد المسارات اشتعالاً، لأن بقاء الستاتيكو كما هو منذ عشرة شهور من دون تعديل لم يعد ممكناً.