طوال الأشهر الماضية، كان العنوان الأبرز لكل القراءات لمسار تطور الأحداث، يصب في إطار أن الولايات المتحدة لا تريد الذهاب إلى معركة كبرى على مستوى المنطقة، وهو ما يدفعها إلى الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتفادي ذلك، في حال لم تنجح في الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، يكون مقدمة لإعادة الهدوء على جبهة جنوب لبنان، حيث قدمت الكثير من السيناريوهات عن خلافات بين واشنطن وتل أبيب في هذا المجال.

في الأيام الماضية، ظهرت العديد من التطورات التي تدفع إلى إعادة النظر بكل ما تم التداول به على هذا الصعيد، فحادثة مجدل شمس، التي أعلنت إسرائيل رواية كاذبة لها حمّلت فيها "حزب الله" المسؤولية عنها، جاءت خلال تواجد نتانياهو في واشنطن، ما يعني أن الأخيرة لم تكن بعيدة عنها، لا سيما أن الكثير من الروايات كانت تطرح، منذ ما قبل هذه الزيارة، حول ما قد يقدم عليه بعد عودته إلى تل أبيب.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن مسار الأحداث بعد ذلك، وصولاً إلى عمليات الإغتيال التي نفذت في الضاحية الجنوبية أو العاصمة العراقية بغداد أو العاصمة الإيرانية طهران، أكد أن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عما كانت تخطط له تل أبيب، لا بل من الممكن الحديث عن أنها كانت شريكة عملية فيه، فهي سارعت إلى تبني الرواية الإسرائيلية لحادثة مجدل شمس، لا بل ذهبت إلى تأكيد حقها في الرد والدفاع عن نفسها، ثم أكدت أنها ستدافع عن تل أبيب في حال تعرضها لأي إعتداء، من دون تجاهل عامل أن عمليات الإغتيال هذه، على الأرجح، ما كانت لتنجح من دون تعاون بين المخابرات الإسرائيلية والأميركية.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه بعيداً عما تقدم، بالرغم من أنه يقود عملياً إلى السؤال عن الأسباب التي تدفع الإدارة الأميركية الحالية، التي هي بحكم تصريف الأعمال، إلى خطوة من هذا النوع في هذا التوقيت، لا سيما أنها تدرك جيداً أنها تضع المنطقة على فوهة بركان، نظراً إلى أنّ المحور المقابل لن يقبل أن تمر عمليات الإغتيال من دون ردود من قبله، من الضروري العودة إلى نقطة مركزية كانت قد ظهرت في السابع من تشرين الأول الماضي، ثم تعززت لاحقاً في الأشهر التي تلت، من أجل فهم حقيقة ما يحصل.

وتوضح المصادر نفسها أنه خلال عملية "طوفان الأقصى"، تعرضت إسرائيل إلى ضربة كبيرة حطمت صورتها الردعية، وكان من الطبيعي تصوّر ذهابها إلى عملية عسكريّة بحجم ما تعرضت له، نظراً إلى أنها لا يمكن أن تستمر من دون إعادة ترميم تلك الصورة، لكنها، على مدى الأشهر الماضية، لم تنجح في تحقيق ذلك، بل وجدت نفسها أمام مخاطر جديدة، تمثلت في الجبهات التي فتحت عليها للمرة الأولى، كالجبهة اليمنية على سبيل المثال، وهو ما فرض عليها الذهاب إلى خطوات أكبر، تظن أنها ستساعدها على إعادة ضبط معادلات الردع.

بالنسبة إلى المصادر المتابعة، الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن هذا التوجه، فهي في الأصل تدرك أهمية أن تنجح تل أبيب في تحقيق هذا الهدف على المستوى الإستراتيجي، وهو ما دفعها، على الأرجح، إلى منحها الضوء الأخضر للقيام بما قامت به، في الأيام الماضية، بعيداً عما يمكن القول إنه خلافات تكتيكية كانت قد برزت في مراحل سابقة، على أمل ألا يقود ذلك إلى خروج الأوضاع على مستوى المنطقة برمتها عن السيطرة.

من وجهة نظر هذه المصادر، واشنطن قد تظن أن هذا المسار ربما يقود إلى تكثيف الجهود الهادفة إلى وقف إطلاق النار، لكنها في المقابل، في هذه الحالة، تتجاهل أن المحور المقابل معني بمنع تل أبيب من تعويض كل ما خسرته، منذ "طوفان الأقصى"، وبالتالي تضييع كل الجهود التي قام بها في الفترة الماضية، ما يحتم عليه الذهاب إلى ردود متناسبة مع حجم الإعتداءات التي تعرض لها، وهو ما سيكون العنوان الأبرز في الأيام المقبلة.

في المحصلة، ترفض المصادر نفسها الحديث عن توريط نتانياهو لواشنطن، من خلال العمل على جرها إلى مواجهة مفتوحة على مستوى المنطقة، حيث تؤكد أنها الولايات المتحدة في الأصل ليست بعيدة عن كل ما يحصل، وتشير إلى أن الموضوع لا يمكن أن يوضع، كما ذهب البعض، في إطار الحسابات الخاطئة، لأن نتانياهو يدرك جيداً ما أقدم عليه وما قد ينجم عنه من تداعيات، لكنها تشدد على أن رسم صورة واضحة عما قد يحصل غير ممكن في الوقت الراهن، نظراً إلى أن كل ما حصل، منذ بداية الحرب حتى اليوم، كان خارج التوقعات.