بعد اربعمئة سنة يأتي هذا الحدث في تطويب البطريرك اسطفان الدويهي ليقول لنا ان الله لا يترك لبنان، بل هو من وقت لآخر يرسل لنا اشارات قداسة ودلالات نِعم تقول لنا ان السماء والعناية الالهية تحفظان لبنان المكرس لقلب مريم العذراء ولسيدة لبنان.

الدويهي البطريرك المعلم ورع تقيّ مصلٍّ عالم مؤسس مريمي العبادة قرباني الحياة والتكرس، انه البطريرك المؤسس patriarche fondateur يشرح، يعلم، يدافع ويكتب عن العقائد واللاهوت والتاريخ والطقوس والرتب واللباس والزياحات والعبادات لينير شعبه وكنيسته ويعلم أبناء رعيته، ويدافع عن معتقد وايمان طائفته الكاثوليكي القويم والصحيح كإيمان بطرس ولتبقى كنيسته المارونية والموارنة كالوردة بين الأشواك.

أنه البطريرك المؤسس لتاريخ الأزمنة، يكتبه كعالم لاهوتي ليظهر الدلالات الكبرى لعظمة تاريخ الكنيسة المارونية المجاهدة والمضطهدة الطامحة دوماً إلى الحرية والكرامة الانسانية، وخاصة المرأة المارونية المثقفة والمربية والمساوية للرجل بالحقوق والواجبات.

هذه المارونية التي حولت صخور لبنان الوعرة إلى جنّة خضراء، وهو البطريرك الطقسي الذي كتب منارة الأقداس ليؤسس العلم الصحيح لليتورجيا والطقسيات المارونية وعمق تجذّرها في الكتاب المقدس واللاهوت العقائدي وكتابات الاباء والمعلمين القديسين، فشرح كل حركة وكل كلمة وكل آنية من آواني الطقس، وكل لباس ورمزيته ودلالاته وكيفية بناء الكنائس.

وله الفضل الكبير في مرافقة تأسيس الحياة الرهبانية الديرية مع المؤسسين الأوائل القادمين من مدينة حلب إلى قنوبين والوادي المقدس المطران عبدالله قراعلي والمطران جبرايل حوّا والأب يوسف البتن ولاحقاً جرمانوس فرحات.

وتبقى "مورت مورا" الشاهد الكبير على زمن التأسيسي هذا وستثمر هذه الرهبانيات لاحقاً الاباء المعلمين والعاملين في أرض لبنان والعديد من القديسين والطوباويين. وحدود لبنان هي على امتداد حدود وحضور أدياره.

ولقد جال في جميع الكنائس المارونية من لبنان إلى قبرص، من قنوبين إلى كسروان، إلى المتن والشوف، حاملاً ثقافة التنوع والتعدد والريادة الفكرية والحضارية والثقافية والعمرانية.

الأهم مع كل هذا أنه كان رجل القداسة والصلاة والورع والتقوى والعبادة القربانيّة والمريميّة، ينظر دوماً من قلاّيته في قنوبين إلى صورة العذراء والأرض اللبنانية وبيت القربان.

بطريرك القداسة والعلم يطوّب باحتفال مهيب في بكركي ليعطي لبنان مجداً وفخراً وشفاعة أمام العالم. هذا هو المجد الذي يتكلم عنه الدكتور شارل مالك وكمال الصليبي والذي أعطي للموارنة ويتكلم عنه في هذا الشرق بالعلم والقداسة لتقديس نفوسنا كهذا البطريرك وأخذنا منه السعي للعلم والمعرفة والثقافة.

أما الكلمات المفاتيح لفهم حقيقة حياة البطريرك اسطفان الدويهي فهي: القداسة والتواضع والعلم والثقافة والمعرفة. وكما حوّل الاجداد والاباء الموارنة الأوائل صخور لبنان إلى جنات خضراء وجللوها وعاشوا أحرارا كرماء في الجبال الوعرة، وكانوا رواد علم وثقافة وحضارة وكرامة انسانية. هكذا علينا نحن اليوم أن نكون لنليق بهم وبتاريخنا ولبنان وكنيستنا ورهبانياتنا.