جاء خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اكثر هدوءاً هذه المرة، ولكنه اكثر جدّية. وهو ما يفسّر مسؤوليته في الحفاظ على معادلتين: السلم الاقليمي، ومنع كسر المقاومة.
واذا كان الرد على الضربة الاسرائيلية لضاحية بيروت الجنوبية آت حتماً، وكما ذكرت "النشرة" منذ يومين، انه سيكون بعد دراسة وتقييم ومن دون استعجال، وأكدّه نصرالله في خطابه اليوم ان الرد سيكون مدروساً جداً، تاركاً الاسرائيليين اسرى معادلة "الايام والليالي والميدان"، فإن ذلك سيستنزف تل ابيب بكل مجال، نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، خصوصاً ان الامين العام لحزب الله أشار إلى رد في "قلب إسرائيل"، بالمعنى الجغرافي ايضاً.
قد لا يكون الرد خلال يومين او ثلاثة، وربما بعد اسبوع، بعد ترك نصرالله لمقاتلي الحزب في الميدان تحديد هدف وازن. فأي هدف؟ قد تكون القواعد العسكرية هي الأكثر امكانية، لكن اشارة نصرالله إلى تجاوز إسرائيل للخط الأحمر، اولاً للجغرافيا (ضاحية بيروت)، ثانياً للمدنيين، وثالثاً الشخصيه المستهدفة، ترك الخيارات مفتوحة لديه لاستهداف من ذات النوع، قد يكون الهدف في تل ابيب او حيفا، وليس على الحدود.
الاهم في خطاب الامين العام لحزب الله انه ابقى على القواعد القديمة ذاتها، اي فصل ما بين الإسناد القائم ميدانياً منذ عشرة اشهر، وما بين الرد على الضربة.
وكأن نصرالله يقول: سنكمل قواعدنا ذاتها في الجنوب، ولن نغيّر السلوك العسكري، لكن التوسيع المرتقب في الرد هو خطوة واحدة، ستنتهي فور تنفيذها. واذا عاد الاسرائيلون إلى تكرار الضربة التي استهدفت الضاحية، سيكرر عملياً الرد.
هذا الكلام، إضافة إلى حديثه عن ان العواصم التي ترغب بمنع الحرب، عليها وقفها في غزه اولاً، يعني عدم الخروج عن القواعد القائمة وترك الباب مفتوحاً للتسوية.
الخلاصة ان حزب الله لا يريد توسيع الحرب، ولا ان تصبح شاملة او اقليمية، بل يريد الحفاظ على ذات الستاتيكو القائم منذ اندلاع حرب غزه، بالإسناد لا غير، وهو سيرد على اي ضربة خارج هذه المعادلة، ولكن يبقى منتظماً في ذات الوقت بقواعد الاشتباك نفسها.
ويبدو واضحاً ان كلام نصرالله يستنزف اسرائيل عملياً في الوقت المفتوح، لان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو كان اقدم على التصعيد الميداني بكل اتجاه لكسر القواعد وفرض معادلة جديدة تسمح له بإيجاد مخرج مشرّف في قطاع غزة، يفرض فيه شروطه ايضاً على الحدود مع لبنان، مستعجلاً ذلك تحت ضغط الوقت.
وما بين خطاب نصرالله وتصعيد نتنياهو، هناك رصد لنوعية الرد، وكيفية التعاطي الاسرائيلي معه، فهل ندخل في دوّامة الردود الموضعية المتبادلة؟ يبدو الأمر وارداً في حال اصر الاسرائيليون على مواصلة كسر الستاتيكو الحالي، لكن ذلك وحده لا يأخد الإقليم إلى حرب شاملة، بإنتظار عاملين: معرفة نوعية الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وكيفية التعاطي الدولي ومسارات التواصل الإيراني-الاميركي التي حاول قطعها نتنياهو.