مع دخول الحرب في المنطقة مرحلة جديدة من المواجهة، بعد اغتيال القائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية، أشار مصدر سياسي بارز لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وضعت النقاط على حروف الردّ، بتأكيده انّه سيكون حتمياً ومدروساً، لكنها أخرجته من السياق الطبيعي للعمليات التي انطلقت منذ عشرة اشهر".

ورأى أنّ "الحكمة ظهرت في خطاب السيد الذي قال انّه يبحث عن الهدف، ما يعني انّه لن يكون اعتباطياً ومتسرّعاً إنما نوعياً، وما يعني ايضاً أنّ المواجهة دخلت المرحلة الثانية، اما المرحلة الثالثة فتتوقف على خروج الردّ والردّ على الردّ عن قواعد اللعبة الجديدة".

ولم يستبعد المصدر أن "يكون الردّ مشتركاً ومتزامناً، لأنّ المرحلة الجديدة تستدعي انتقالاً في العمليات العسكرية إلى مستوى التطور، خصوصاً لجهة التجرؤ على استهداف بيروت وضاحيتها الجنوبية، علماً انّ "حزب الله" سبق وابلغ الى الوسطاء انّ استهداف بيروت سيغيّر المعادلات، وهذا الأمر في حدّ ذاته يُخرج المواجهة عن مسارها من خلال البدء باستخدام نمط جديد من العمليات".

وأوضح أنّ "لا احد يملك صورة واضحة عمّا ستؤول اليه الأمور، ولكن هناك سيناريوهات وضعها كل فريق تصل إلى عمليات التأهّب القصوى"، مستعبدًا ان "تتدحرج الأمور سريعاً إلى حرب واسعة، لأنّ اللاعبين الأساسيين لا يريدونها".

قشرة سميكة

ولاحظت اوساط متابعة انّ "السيد نصرالله احتفظ بأوراق الردّ طي الكتمان، مكتفياً بالتأكيد انّه سيحصل حتماً، من دون أن يقدّم اي إضافة تروي غليل العدو الاسرائيلي، الذي كان يترقّب الخطاب لمحاولة معرفة مسار الردّ وطبيعته".

ولفتت إلى انّ "السيد نصرالله ترك كل ما يتعلق بالردّ من حيث المكان والزمان والهدف والوسيلة، مغلّفاً بقشرة سميكة من الغموض المقصود، الّذي من شأنه ان يفاقم حيرة قيادة قوات الاحتلال الاسرائيلي وإرباكها، في مرحلة الانتظار الثقيل للضربة المحسومة".

ورجحت الاوساط أن "يأتي ردّ الحزب ومحور المقاومة بين حدّين: تجاوز سقوف المرحلة السابقة في اتجاه تصعيدي وتصاعدي من جهة، ومحاولة تفادي الحرب الشاملة من جهة أخرى، مع الاستعداد التام لخوضها اذا فرضها سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو".

حراك دبلوماسي

على صعيد المساعي الدبلوماسية الخارجية لمنع نشوب الحرب، أوضحت مصادر دبلوماسية وسياسية واكبت زيارة وزيرَي الخارجية والدفاع البريطانيان ديفيد لامي وجون هيلي إلى لبنان، لـ"الجمهورية"، انّهما "كانا واضحين في شرح المخاطر المترتبة على ما يجري في المنطقة، وما بلغته اجواء التحدّي والعمليات العسكرية، مما لا يمكن لجمه إن بقيت الجهات كافة متمسكة بالمواقف والسقوف العالية".

وذكرت أنّ "الوزيرَين شددا باسم حكومة بلادهما، على ضرورة ممارسة الضغوط على "حزب الله" والفصائل التي انتهكت القرارات الدولية في الجنوب، لمنع تفجّر الوضع وإبقاء ردات الفعل ضمن قواعد الاشتباك المعتمدة، والتي حالت حتى اليوم دون الانفجار الكبير في المنطقة، وعبّرا عن قلقهما من أن يؤدي سوء حسابات الأطراف كافة الى جرّ المنطقة الى مزيد من التصعيد".

وركّزت المصادر نفسها، على أنّ "بمعزل عن خصوصيات المواقف اللبنانية، فقد عبّر المسؤولون اللبنانيون عن رفضهم للتهديدات الاسرائيلية، وشّددوا على ضرورة ان يمارس المجتمع الدولي الضغوط الضرورية لمنع إسرائيل من التمادي في ارتكاباتها الإجرامية في غزة، ووقف إطلاق النار لتهدأ بقية الجبهات".

وأفادا بأنّ "الوزيرَين شدّدا على اهمية منع اي عمل عسكري متهور يقود الى تفجير الوضع، واعتبرا انّ ما يجري غير مقبول، وخصوصاً انّ معظم المبادرات الدولية والأممية انهارت واحدة بعد اخرى، ولم يتوصل احد الى ترتيب وقف للنار، وخصوصاً قرار مجلس الأمن الأخير الذي صدر في 10 حزيران الماضي، بالاستناد الى صيغة تبنّت مبادرة الرئيس جو بايدن. فردّ الجانب اللبناني أنّ من رفض المبادرة والقرار هي اسرائيل، وليس لبنان الذي يشدّد على أهمية وقف النار في غزة والالتزام الكامل بالقرار 1701 من الجانبين اللبناني والاسرائيلي، وانّ لبنان جاهز لكل الترتيبات المطلوبة".

وعلمت "الجمهورية" انّ "الوزيرين البريطانيين ابديا تخوفهما من اندلاع حرب شاملة في المنطقة، واكّدا انّ بلادهما مستعدة لبذل ما امكنها للحؤول دون نشوبها".

كما علمت أنّ "ميقاتي سيلتقي اليوم سفراء الدول الدائمة العضوية وغير الدائمة العضوية في مجلس الامن، مطالباً حكومات هذه الدول والمجتمع الدولي عموماً بلجم اسرائيل، لكي توقف اعتداءاتها على لبنان وقطاع غزة والزامها بتطبيق القرارات الدولية، ولاسيما منها القرار 1701".

ضغوط دبلوماسية لردٍّ "ضمن القواعد"

في السياق، لفتت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "الحركة الدبلوماسية لم تتوقّف لاحتواء ردّة فعل "حزب الله"، ودفعت جسامة جريمة الضاحية الجنوبية حلفاء إسرائيل من الأميركيين والأوروبيين إلى التصرف على أساس أن هناك جولة تصعيد آتية حتما. لكن ذلك لم يمنع استئناف الاتصالات، وعودة الحديث عن ضرورة التوصل إلى صفقة لوقف الحرب، حتى بعد أيّ ردٍّ من إيران أو حزب الله".

وأشارت إلى أنّ "في هذا الإطار، زار وزيرا الخارجية والدفاع البريطانيان ديفيد لامي وجون هيلي بيروت، والتقيا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب، ونقل عنهما أن "بنيامين نتانياهو مصرّ على تحقيق أهداف حربه، والتمنّي بأن يبقى أيّ ردّ ضمن قواعد الاشتباك، لإتاحة الفرصة أمام الجهود للتوصل إلى حل دبلوماسي".

وعلمت "الأخبار" أن "جهات عربية وغربية أكدت أنه ليس هناك أيّ ضمانات بعدم شنّ حرب واسعة على لبنان، في حال كانَ الردّ قاسياً".

هذه هي الرسائل التي نقلها هوكشتاين قبل اعتداء حارة حريك

بدورها، اعتبرت صحيفة "الديار" أنّ "ما بعد 30 تموز لن يكون كما قبله... انه الشيء الوحيد المؤكد حتى الساعة! فبعد التحليلات التي كثرت قبيل الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، وخروج بعض المعنيين لاعطاء تطمينات بلاءات ثلاث: "لا ضرب للضاحية ولا ضرب لبيروت ولا استهداف لمطار رفيق الحريري الدولي"، تبين ان احدا لا يمكنه ان يضمن شيئا مع عدو كإسرائيل؛ كما ان كل التطمينات التي تحدث عنها البعض لم يكن لها اساس من الواقعية"، مبيّنةً أنّه "ها هو العدو الاسرائيلي يخرق ويتخطى كل الخطوط الحمراء، ويضرب عمق الضاحية - حارة حريك، مستهدفا احد ابرز القادة العسكريين الذي استشهد الحاج محسن الى جانب 7 مدنيين".

وذكرت أن "احدا من المسؤولين المتابعين للاتصالات التي كانت تحصل على خط اميركا- بيروت، لم يكن يتوقع ضربة بهذا الحجم"، لكن مصادر موثوق بها معنية بهذه الاتصالات اكدت ان "ما نشر وحلل وقيل من ان لبنان تلقى تطمينات اميركية عبر الموفد الوسيط اموس هوكشتاين، بان لا استهداف للضاحية او لبيروت، تبين لاحقا انها كاذبة وغير صحيحة على الاطلاق".

وردت المصادر على ما قيل بهذا الاطار، بالقول "كل ما وصلنا عبر الوسطاء وفي مقدمهم هوكشتاين، مفاده ان الولايات المتحدة تعمل وتصب جهودها في محاولة للضغط على اسرائيل، لتحييد المدنيين كيلا تتوسع الحرب، وجزمت ان لا ضمانات قدمها اي طرف، لا الجانب الاميركي ولا حتى من قبل "حزب الله"، او من كان ينقل الرسائل الاميركية للحزب".

وأوضحت أنّ "ما حُكي عن ان هوكشتاين قال لنا انه سيتم تحييد الضاحية وبيروت والمطار غير دقيق، فهو لم يعطنا اي ضمانة، لا بل اكد ناقلا تهديدات اسرائيلية بان الضربة قد تكون كبيرة".

وكشفت معلومات "الديار" أنّ "زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري كما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي امس، وفي محاولة منهم للاستفسار عن مدى دقة ما نقل من تطمينات، اتاهم جواب واحد واضح من الجانبين، بان هوكشتاين لم ينقل هكذا كلام، وهو لم يسمّ اي مدينة ولم يتحدث بالاسماء، بل نقل رسالة واضحة عن ان الضربة حتمية؛ ولم يتطرق فيها لا لاسماء ولا لاماكن معينة".