خمسة عشر يومًا نتحضّر فيها لنحتفل بعيد رقاد والدة الإله، ونصلّي البراكليسي كلّ مساء. كلمة باراكليسي تعني طلب المعونة والتعزية. صحيح أن الصلاة بمجملها موجّهة إلى العذراء إلّا أنّها طلب معونة من فوق لأنّ المخلّص هو واحد، الربّ يسوع المسيح، ووالدة الإله شدّدت بذاتها على هذا الأمر بقولها: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (لوقا 46:1-47).
أمّا صلاة الشفاعة، فهي لا تعني إطلاقًا إلغاء الربّ يسوع المسيح، بل على العكس تمامًا هي تأكيد أنّ كلّ قدّيس اتّحد به. فيسوع تجسّد لنقتبل الإلهيّات ويجعلنا واحدًا معه في جماعة هو أسّسها وهو على رأسها وهو معطيها القداسة. فالصلاة مع القدّيسين تدخل في ما ندعوه نعمل معًا SYNERGIE، وهذا ما يريدنا الربّ أن نكون عليه، حتّى صلاتنا معه هي منه ومنّا. فهو المعطي والواهب للنعم والفضائل والخلاص ونحن المتلقّون. عطاؤه مجّانيّ وما علينا إلّا أن نقبله.
قال الربّ لنا: "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (متّى 11: 29). الوداعة والتواضع هما إفراغ الذات للامتلاء من الربّ. هذا تمامًا ما فعلته والدة الإله، وهذا سرّ قداستها كما أعلنت بذاتها في نشيدها: "نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (لوقا 48:1). الربّ ينجذب إلى المتواضعين والمساكين بالروح، وقد ذكرهم بتطويبته الأولى: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متّى3:5).
لهذا فرحنا كبير عندما نطبّق ما أعلنته أيضًا مريم: "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" (متّى 48:1). تطويبها اعتراف بأنّ الله هو ملك القدّيسين (رؤيا 3:15). فمكانة القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله كبيرة جدًّا، وصلواتهم بخور أمام العرش السماويّ (رؤيا 5: 8).
تُرجَم التّطويب والتكّريم في الكنيسة صلواتٍ وخِدمًا وتسميةَ أولادنا بأسمائهم وأخذهم شفعاء، بالإضافة إلى تصوير أيقونات لهم.
أيقونات والدة الإله على أنواعها، الأربع الرئيسة التي تحمل فيها الربّ يسوع، الأولى الجالسة على العرش وفي حضنها الربّ وتدعى العذراء الممجّدة، والثانية الفاتحة ذراعيها تتضرّع وفي الوسط الربّ وتدعى عذراء الآية وأيضًا الأرحب من السموات، والثالثة التي تحمل فيها يسوع على يد وباليد الأخرى تشير إليه وتدعى العذراء الهادية أو المرشدة أي التي تهدينا إليه وترشدنا لنكون مع الرب، والرابعة التي نشاهد فيها عناقًا بينها وبين الربّ وتدعى العذراء الرحومة وأشهرها الأيقونة المعروفة بعذراء فلاديمير، وفي الأيقونات الأربع الربّ يبارك، أو الأيقونات الأخرى لها وتمثّلها بمفردها وتتضرّع إلى الربّ: أيقونة الشفاعة، أو في الأيقونات حيث نجدها في أحداث إلهيّة مثل الصعود الإلهيّ وعجائب مختلفة، فهي كلّها تقول أمرًا واحدًا: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» (يوحنّا 5:2).
لهذا نصرخ إليها في الباراكليسي: "أوعبي يا نقيةً قلوبنا سرورًا مانحةً الفرح غير الفاسد الذي بك، يا من ولدتْ علّةَ السرور والابتهاج". وعندما نقول لها: "أيّتها الفائق قدسُها والدةُ الإله خلّصينا" فإنّنا نعي بذلك خلّصينا بشفاعتك، وأكثر توضيحًا صلّي إلى الربّ معنا.
هذا الجمال اللاهوتيّ إن كان في النصوص أو في الفنّ الكنسيّ ما هو إلّا جمال الروح النقيّ والطاهر والعاشق للرب والمحب لجمال بيته.
ولا ننسى أن اسم والدة الإله هو عنوان التدبير الخلاصيّ، وهو من صِلب الإنجيل وظاهر بشكل واضح جدًّا في محطّات رئيسة ثلاث:
الأولى كلام الملاك ليوسف خطيب مريم: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». (متى 20:1-21). الحبل هو إلهيّ، واسم يسوع يعني "يهوه يخلّص" أي "الله يخلّص"، ولا أحد يخلّصنا من خطايانا ويغفرها إلّا الله، فيسوع هو واحد في الجوهر الإلهيّ مع الآب والروح القدس، وثلاثتهم إله واحد. هنا المسيحيّة كلّها.
المحطّة الثانية ما قاله الملاك جبرائيل لوالدة الإله: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ." (لوقا 35:1). ابن الله في الجوهر الإلهيّ. فهو إله وصار إنسانًا كاملًا أخذًا طبيعتنا البشريّة خلا الخطيئة، لأن الخطيئة دخيلة على لإنسان.
المحطّة الثالثة هي ما قالته أليصابات عندما زارتها مريم: "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (لوقا 43:1).
حضور والدة الإله في حياتنا بركة ونعمة وفرح وابتهاج، ألم يرتكض بابتهاج القدّيس يوحنّا المعمدان في بطن أليصابات حين سمعت صوت مريم العذراء؟
يا والدة الإله صراخ نسيبتك هو صراخنا ونقولها بالفم الملآن: "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ" (لوقا 42:1)، أنت حقًّا والدة الإله وما أجمل ما يقوله الكاهن من على الباب الملوكيّ في صلاة السحر أمام أيقونتك الموقّرة على الإيقونسطاس: "لوالدة الإله وأمّ النور بالتسابيح نكرّم معظّمين".
إلى الربّ نطلب