رائعة كانت الأمسية الموسيقية الكلاسيكية التي دعا إليها رئيس بلدية غلبون المهندس إيلي جبرائيل فيDOMAINE ST GABRIEL، والتي احيتها الفرقة الاوركسترالية بقيادة المايسترو المبدع هاروت فازليان.

قدمت الفرقة مقطوعة "الفصول الأربعة" لفيفالدي، مصحوبة بقراءات من رفعت طربيه لنصوص ترجمها هنري زغيب عن حكايات الفصول الأصلية بلغة شعرية تمثل قمة التناغم بين جزالة الكلمة وعذوبة الالحان.

شقت الموسيقى طريقها إلى السماء على التلة الخضراء التي جمعت في رحابها متذوقي فيفالدي الذين واكبوا الفرقة التي ضمت محترفات ومحترفين تجلوا بادائهم الرائع، وسموا إلى ذرى الجمال والخيال بعزفهم الذي إختصر فصول الحياة في تواليها وتنقلها بين دفء الربيع وحرارة الصيف وبرودة الخريف الذي يحث خطاه إلى صقيع الشتاء وعواصفه Domaine St GABRIEL المسور بجمال الطبيعة، المتوج بالاكاليل الخضراء المعشقة بالانوار، أضاء عتمة الليل في تلك الأمسية بالموسيقى المنسابة من الأوتار الحانية التي داعبتها أنامل العازفات والعازفين بحرفية وشغف. وكان تجاوب الحضور من النخبة التي اثر عنها تتبعها هذا الفن الراقي، مميزا. وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن الذائقة الفنية لا تزال بخير في لبنان، وأن ما نشهده من أعمال هابطة وباهتة ليس إلا سحابة داكنة عابرة لا تستطيع محو الاصالة، والاتجاه بها نحو مدارات لا تمت إلى عالم الفن الأصيل.

في غلبون التي اطلقت مهرجاناتها تماهى اللون والظل مع مقطوعة فيفالدي الذي أجاد هاروت فازليان ترجمتها لحنا مثل ذروة الاتحاد بين الموسيقى الغربية والموسيقى الشرقية بأسلوب انسيابي سلس يأخذ المستمعين إلى آفاق رحاب مخضوبة بعطر النغم الذي يسري كما تسري النسائم في مساحب الوديان.

الجمهور كان مختارا، ومنجذبا الى العزف الذي تجاوز حدود المكان والزمان في عناق شاعري بين الكلمة واللحن ضمن إطار جاذب ومشوق البسته الطبيعة أبهى حللها، وكأن المسرح هيكل قدسي تخشع امامه ،وتسترهن لديه كل حواسك.

كان اللقاء في غلبون الذي سبقه تبادل انخاب وضيافة مغرية، وأحاديث ودردشات بين الذين وفدوا من جميع المناطق، مناسبة للتأكيد أن لبنان لا يسقط، وإن سقط لا يستسلم، بل يثب من القبر الذي أودع فيه نازعا عنه اكفانه بسرعة " اليعازرية".

حدث فني نوعي اضاء ليل غلبون بالموسيقى والكلمة ونبيذ الحياة التي يستحقها وطننا واكثر ، يشكر عليه ايلي جبرايل صائغ المبادرات، حامل رسالة التجذر في الارض، والايمان بأن معين الخير والعطاء والجمال في ضياع لبنان لا ينضب.

*نقيب محرري الصحافة اللبنانية