أتَعودُ وِلادَةُ بَيروتَ الى الخَلقِ؟.
مَخلوقَةٌ هي لا مِن قُوَّةٍ هَوجاءَ ولا مِن أساطيرَ دِماءٍ بَل مِن تَخطيطٍ إلَهيٍّ دَمَغَها بإسِمها: "بيريتيسُ"، "بيروتوسُ"، "بِيرُووَه" مِن نَسَبِ الإلَهِ الإبنِ أدونيسَ، وَكَلَّلَها: "المَدينَةَ الإلَهَةَ"، "بَيروتَ الأبِيَّةَ والمَجيدَةَ."
أمِنها سِرُّ الحَياةِ؟ بَل خُصوصِيَّةُ الحِكمَةِ لِلخَلقِ: صَيرورَةُ الإكتِمالِ. بِمِعنىً أوضَحَ، هي الصورَةُ والمِثالُ. الصورَةُ مِنَ الأُلوهَةِ، أمَّا المِثالُ فَبِتَعاونِ الإنسانِ والأُلوهَةِ. فَهِيَ قَبلَ إنشائِها المَعروفِ مُنذُ قُرابَةِ 5000 سَنَةٍ، كانَت.
أجَل! كانَت في حَضرَةِ ما قَبلَ التاريخِ: تَعاوناً قَبتاريخِيَّاً. وجوداً وَفِعلاً. ها هي مِنَ العَصرَينِ الحَجَرِيَّينِ: القَديمِ الوَسيطِ والقَديمِ العُلويِّ، مُرورًا بالحَجَرِيِّ الحَديثِ إلى البرونزِيِّ، غَنِيَّةُ المَواقِعَ. فَلنُعَدِّد، لا حَصراً: ميناءُ الحُصنِ الوَصَفَهُ الباحِثونَ بالقَريَةِ البَيروتِيَّةِ بالنَظَرِ لِلأدَواتِ الصَوَّانِيَّةِ التي عُثِرَ عَلَيها فيهِ. أُمُّ الخَطيبِ شَمالِ الطَريقِ الجَديدَةِ الحالِيَّةِ، بأدَواتِهِ الصَوَّانِيَّةِ الراجِعَةِ لِلعَصرِ النُحاسِيِّ. فُرنُ الشُبّاكِ بأدَواتِهِ الصَوَّانِيَّةِ وأدَواتِ القَطعِ العائِدَةِ لِلفَترَةِ الأشولينِيَّةِ. نَهرُ بَيروتَ بِبَقايا الرِماحِ فيهِ والحِجارَةِ الصَوَّانِيَّةِ المُسَنَّنَةِ الى العِظامِ المَدفونَةِ وَسطَ الطَمي... الى البَطرِيَركِيَّةِ والبُرجِ وَبَقايا فُؤوسِهِما القَديمَةِ...
أجَل! وَتِلكَ اللاعَرَضِيَّةُ مِن حَيثُ الصورَةِ، أدرَكَها الإغريقُ، فأنشَدوا لَها أرفَعَ المَدائِحَ في دَورِيَّاتِهِمِ: "بيريتوسَ βηρυτός، اللامَحصورَةَ في عالَمٍ طَبيعِيٍّ مُغلَقٍ وَلا في مَحدودِيَّةِ زَمَنٍ. الغَنِيَّةُ بِوَعدِ الخَلاصِ". وَتَوَّجوها: لاوديسيا الفينيقِيَّةُ .Λαοδικεια ή του Φοινίκη نِعمَةُ فينيقيا الدائِمَةُ التَجَدُّدِ، حَيثُ المَصائِرُ مُعَدَّةٌ لِلدُخولِ في تَصميمِها، بالإنفِتاحِ على الأواتِيَ عَبرَ التَبادُلِ الأكثَرِ كَرَماً.
أجَل! هو ذاكَ التَكامُلُ الخَلَّاقُ بَينَ بَيروتَ -الصورَةِ وَبَيروتَالمِثالِ، بَينَ فِعلِ الأُلوهَةِ وَفِعلِ الإنسانِيَّةِ، دَفَعَ الإحتِلالَ الرومانِيَّ لِلعالَمِ القَديمِ، أن يُتَوِّجَها Berytus Nutrix Legum الأُمُّ المُرضِعَةُ القَوانينَ، حينَ أدرَكَ أنَّ العَدالَةَ إنبِثاقٌ مِن ذاكَ الإبداعِ التَكامُليِّ. وَما مَراتِبُ الوَعيِ إلَّا التَعبيرَ الفِعلِيَّ عَن مَجرى هَذِهِ التَكامُلِيَّةِ-التَشارُكِيَّةِ. يا لِتَسامِيَ التَحَقُّقِ بِبَيروتَ في رَحَمِ التَرَوحُنِ. في شُروطِ فِعلِهِ. في تَشَخصُنِهِ!.
التَمَركُزُ على الذاتِ
تَشَخصُنُ التَمَركُزِ. تِلكَ رِسالَةُ بَيروتَ، مُذ كانَت.
تَشهَدُ لَها مُراسَلاتُ مَلِكِها عَمونيرا، المِسمارِيَّةُ الثَلاثُ، في القَرنِ الخامِسَ عَشَرَ قَبلَ الميلادِ، الى الفِرعَونِ امينوفيسَ الرابِعِ / أخناتونَ، إضافَةً لِمَسارِدَ تَلِّ العَمارِنَةِ، الطينِيَّةِ، التي تُعلِمَ أربابَ العالَمِ أنَّ بِيريتَ صَكَّت بِإسمِها نَقداً يَحمِلُ رَسمَ إيلَ-بيريتَ (بَعلَ-بيريتَ). الإلَهُ الأبُ. الإلَهُ-أصلُ-الخَليقَةِ. وَتَدعوهُمُ لِلتَمَركُزِ على الذاتِ المُنفَتِحَةِ على الآخَرِ، و"لِلتَمَركُزِ الأعلى" في الأُلوهَةِ الحَقِّ... لا في الـتألُّهِ عُنوَةً وَغَصباً.
أبَيروتُ-البَدءُ باعِثَةُ التَرَقِيَّ مِنَ الطينِ ألمِنهُ جُبِلَ الإنسانُ، الى اللوغوسَ؟ مِنَ الوجودِ الى تَجاوزِ الوجودِ؟ هي باعِثَتُهُ وَمُحَقِّقَتُهُ... مُذ ما قَبلَ قَبلَ المَسيحِيَّةِ وَتَداخُلِ اللوغوسَ فيها نَفَسَاً وَمِعنىً مُبدِعاً في كُلِيَّةِ الإنسانِيَّةِ بِبَوتَقَةٍ واحِدَةٍ مُوَحَّدَةٍ وَمُوَحِّدَةٍ.
بَيروتُ-البَدءُ، بَتَمَركُزِها على ذاتِها، كَلَّلَتِ الأُلوهَةَ-اللوغوسَ بإنقِلابٍ وجودِيٍّ هائِلٍ: الإنسانُ لا يُصبِحُ كامِلاً إلَّا إذا غَدا اللهُ إنساناً. عِندَها يَبلُغُ البَدءُ ذُرى إمكاناتِهِ: لا يَبقى الإنسانُ طيناً يَنتَهي غُباراً. وَلا يَبقى اللهُ لامُتَناهِياً، مَحدودِيَّتُهُ إنطِواؤهُ على إنغِلاقِهِ.
بَيروتُ-البَدءُ، صَيرورَةُ التَشَخصُنِ بإتِّصالِ اللامُتَناهيَ المُطلَقَ بِمُطلَقِيَّةِ الإنسانِ... لِوِحدَةٍ هي غايَتُهُ القُصوى؟ كُلُّ مَن رامَ تَأليهَ ذاتِهِ قاضِياً على حَقِّ الأُلوهَةِ وَحَقِّ الإنسانِ... لاحَقَ بَيروتَ مُنذُ ذاكَ البَدءِ، وَلَمَّا يَزَل، لِلقَضاءِ عَلَيها. هيَ دُمِّرَت وَدُفِنَت تِسعَ مَرَّاتٍ، بَل تِسعينَ مَرَّةً تِسعَ مَرَّاتٍ... وَقامَت مِن رَدمِها. وَهوَ، أينَهُ؟.