يحبس الجنوبيون أنفاسهم لما ستؤول إليه التطورات العسكرية في الساعات أو الأيام القادمة بعدما توعد "حزب الله" بالرد الحقيقي على اغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، وإيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران.

وفيما تبدو الأمور مفتوحة على مصراعيه أمام نذر الحرب، ارتباطا بالرد وطبيعته ومكانه وما إذا كان موحدا من محور المقاومة أو متعاقبا، يتوقع مراقبون سياسيون عبر "النشرة"، ألاّ يتدحرج التصعيد إلى حرب مفتوحة يريدها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، ولكن كل الاحتمالات تبقى واردة وفق طبيعة الردود.

ويوضح هؤلاء، أن جريمتي اغتيال هنية وشكر تختلفان عن السابق من عمليات الاغتيال لقادة المقاومة سواء منها اللبنانية أو الفلسطينية، وتعتبران تصعيدا غير مسبوق لسببين:

الأول: كسرا كل قواعد الاشتباك وأدخلا المنطقة برمتها في مرحلة جديدة من الصراع وفق ما أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعدما كانت الساحة الجنوبية اللبنانية جبهة إسناد لغزة الذي تجاوز العدوان الإسرائيلي عليها أكثر 300 يوما.

الثاني: إن الولايات المتحدة الأميركية حشدت الأساطيل والبوارج الحربية إلى منطقة الشرق الأوسط لدعم "إسرائيل" في عدوانها وحمايتها، ما يجعل الأمور قابلة للتوسّع في أي وقت، سيما وأن إيران اتهمتها بدعم إسرائيل وتغطيتها في جريمة اغتيال هنية في طهران.

وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد منير شحادة لـ"النشرة"، إن اغتيال شكر يعتبر خرقا كبيرا وخطيرا، أولا: لأن تبرير إسرائيل لعملية الاغتيال كاذب عبر إتهام المقاومة بالوقوف وراء حادثة مجدل شمس وقد تحججت بهذا العذر للقيام بهذه الجريمة، بينما المقاومة بريئة من هذا الاتهام، ثانيا لأنها قامت بقصف العاصمة بيروت وتحديدا الضاحية الجنوبية أي المربع الأمني لحزب الله، وهي منطقة سكنية مكتظة، ما أدى إلى استشهاد مدنيين، وثالثا لاغتيال شكر نفسه وما يمثل من وزن وثقل.

وأضاف شحادة إن الجريمة تعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء، مما يستوجب ردا من قبل المقاومة أعلن عنه السيد نصرالله بأنه سيكون حقيقيا وغير شكلي، متوقفا عند أمرين:

-الأول أن الحرب انتقلت من مرحلة الإسناد والإشغال، إلى الحرب الكبرى التي قال عنها بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، في أول ظهور له بعد شهر على اندلاعها، أنه لم يحن موعد الحرب الكبرى، وإنما الحرب مع إسرائيل بالنقاط، لان الحرب الكبرى تستدعي التنسيق مع محور المقاومة وعندما يتحدث عنها اليوم، فهذا يعني أن المحور أصبح جاهزا لها.

-الثاني: عبارة "بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان"، وهذا يعني انه حين تحين الفرصة، وقد يكون ردها باغتيال شخصية ما حين تحين الفرصة، لأنّ الهدف لو كان موقعا أو مبنى أو مركزا لا تحتاج إلى فرصة، بل إلى قرار وكأنها عملية إغتيال لضابط إسرائيلي. وكذلك الحال في جريمة اغتيال هنية في طهران على اعتباره عدوانا وخرقا وضيفا والرد سيكون قاسيا.

ورأى شحادة، أن إنزلاق الأمور إلى حرب شاملة يعود إلى ردّ إسرائيل على الردود، أيّ إذا ردت بطريقة عنيفة سيكون هناك ردا أعنف وقد تنزلق الأمور بالرد والرد المضاد، بينما ما نرى من حشود من الولايات المتحدة في البحرين المتوسط والأحمر للدفاع عن إسرائيل من الضربة الإيرانية، أيّ أن تدخل أميركا حاليا دفاعيا وإسرائيل تسعى لجرّها إلى حرب في المنطقة.

استنفار المخيمات

توازيا، أكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أن المخيمات الفلسطينية في لبنان لن تقف متفرجة أو مكتوفة الأيدي إزاء على أي عدوان إسرائيلي على لبنان عقب اغتيال هنية وشكر، وهي أعلنت الاستنفار الضمني تحسبا لأيّ طارئ خاصة بعدما انخرطت بعض قواها في المعركة العسكرية انطلاقا من الجنوب مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" منذ عملية "طوفان الأقصى"-للمرة الأولى، في إطار وحدة الساحات ومحور المقاومة.

على أهبة الاستعداد

وأوضح مسؤول العلاقات الوطنية لحركة "حماس" في لبنان الدكتور أيمن شناعة لـ"النشرة"، في ظل حالة الاشتباك مع العدو الصهيوني وتوقع حصول معركة كبرى في المنطقة وتحديدا في لبنان، فإن القوى الفلسطينية على أهبة الإستعداد للمشاركة في الدفاع عن لبنان والمخيمات إذا حصل أي عدوان، طالما كانت هذه الفصائل تواجه العدو الصهيوني عبر مراحل النضال الوطني من هذه المخيمات وعبر الحدود الجنوبية.

وأضاف: المخيمات الفلسطينية اليوم جاهزة لأن تكون حصنا منيعا في صد العدوان الصهيوني وتساهم في معركة الشرف والدفاع عن لبنان وعن الشعب الفلسطيني والمخيمات وقد تكون جزءا من هذه المعركة، لذلك لن يقف شعبنا أو الفصائل الفلسطينية مكتوفي الأيدي في المواجهة مع العدو إذا أقدم على أي حماقة تجاه لبنان الشقيق.

وشدد شناعة، على أن المخيمات وفصائل المقاومة الفلسطينية، تتخذ اجراءاتها الإحترازية والخاصة في ظل هذه المعركة لحماية نفسها وشعبها والدفاع عن المخيمات ومحيطها اللبناني الشقيق، ونحن في حركة "حماس" كما في باقي الفصائل الفلسطينية، ومنذ بداية معركة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، كان لنا الدور الكبير في المواجهات على الحدود اللبنانية، وقدمنا شهداء من المخيمات سواء في صيدا أو صور أو البقاع وطرابلس وبيروت، على طريق القدس وفلسطين.

اجتماعات لانتخاب بديل

وبانتظار ما ستحمله الأيام القادمة، باشرت حركة "حماس" ومنذ الساعات الأولى لعملية اغتيال هنية، بعقد اجتماعات تنظيمية داخلية لانتخاب البديل بعدما سمت وزارة الخارجية التركية القيادي في حركة "حماس" خالد مشعل قائما بأعمال رئيس المكتب السياسي للحركة خلفا له، حيث قالت الوزارة في بيان: "التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في العاصمة القطرية الدوحة مع القائم بأعمال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وقدم له تعازيه بوفاة هنية.

وفي حين يرأس خالد مشعل منصب رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج ويعتبر أحد مؤسسيها، أوضحت الحركة أن ما تتداوله بعض وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي عن تكليف أسماء معينة بشغل موقع رئاسة الحركة، لا أساس له من الصحة.

وأعلنت ان المكتب السياسي وهيئة مجلس شوراها، تداعى إلى عقد اجتماعات عاجلة وبعد نقاشات معمَّقة اتسمت بالمسؤولية العالية، تم التأكيد على أن هنية ليس فقيد حركة حماس فحسب، بل هو فقيد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم وشرفائه، ولعلَّ هذا التفاعل والتضامن الواسع في مشارق الأرض ومغاربها يدل دلالة واضحة على ذلك:

-إن اغتيال هنية لن يزيد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، إلا قوة وإصراراً على مواصلة طريقه ونهجه، وإن دماءه الطاهرة الزكية ستُلهب نار المقاومة وتزيدها اشتعالًا وتصاعداً.

-إن حركة حماس تمتاز بمؤسستها العالية، وشوريتها الراسخة التي عكستها الوقائع والأحداث خلال العقود الماضية التي شهدت استشهاد عدد من قياداتها، إذ كانت تسارع إلى اختيار بدائل عنهم وفق لوائح وأنظمة الحركة، وإنه باستشهاد أبي العبد، فإن قيادة الحركة باشرت بإجراء عملية تشاور واسعة في مؤسساتها القيادية والشورية لاختيار رئيس جديد للحركة.

-نطمئن جماهير شعبنا الفلسطيني، وأمتنا العربية والإسلامية، أن مؤسسات الحركة التنفيذية وأطرها الشورية تواصل أعمالها، ولديها الآليات الفاعلة والعملية لاستمرار مسيرة المقاومة في أصعب الظروف، وستبادر الحركة إلى الإعلان عن نتائج مشاوراتها حال الانتهاء منها.