بعد طول انتظار، وبعد فترة غير قصيرة من الترقب والدبلوماسية والكلام السياسي المنمّق، خلع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية قفازاته واطلق موقفاً من بكركي على هامش احتفالات تطويب البطريرك اسطفان الدويهي، شرح فيه بما لايقبل اللبس او الشك، ان من ينتظر اعلانه الانسحاب من السباق الرئاسي، سينتظر طويلاً وطويلاً جداً.

كلمات قليلة قالها فرنجية، حملت كل الدلالات وجسّدت كل ما يفكّر به، اذ قال: "اتنحى عن ترشحي للرئاسة اذا كان في حدا مرشح بيعبّي الكرسي"، ما يعني اولاً انه ليس في وارد اعلان انسحابه طوعاً من المنافسة للوصول الى القصر الجمهوري، وثانياً ان احداً من المرشحين او ممن تم طرح اسمائهم في وسائل الاعلام، ليس جديراً بالمنصب الرئاسي. اللافت ان كلام فرنجية كان في الاحتفال الديني الضخم، الذي جمعه وكبار الشخصيات الرسمية والسياسية والحزبية والامنية والاجتماعية في الدولة وغالبية المرشحين الرئاسيين على غرار قائد الجيش جوزاف عون الى مدير عام الامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري.

صحيح ان المرشح الآخر جهاد ازعور كان غائباً، ولكن هذا لا يعني ان شظايا قنبلة فرنجية الكلامية لم تصل اليه حيث هو. قالها رئيس تيار المردة وهو يعنيها، ان احداً من المرشحين ضده او ممن يفترض ان يقفوا في وجهه على طريق بعبدا، قادر ان يعبّي الكرسي، وبمعنى آخر ان ينافسه، وبالتالي رمى كل حصيلة المفاوضات واللقاءات والمحاولات الخماسية والسداسية والرباعية والمحلية والاقليمية والدولية، في دهاليز التاريخ، وانطلق وحيداً كي يثبت للجميع انه لا يمكن لاحد منافسته، وانه الاحقّ بالكرسي الرئاسي من غيره.

استند فرنجية على كلامه هذا، الى عناصر عدة اوّلها ان حلفاءه اكثر ثباتاً خلفه من حلفاء الآخرين الذين لايجدون حرجاً في التخلّي عنهم اذا ما دعت الحاجة، ويعتقد الزعيم الزغرتاوي ان حلفاءه لن يتخلوا عنه تحت اي ظرف، بدليل انهم سيدعمونه الى ان يقرر هو -ان شاء- الانسحاب من المعركة. كما يرى ان اتجاه الاحداث يشير الى انّ التسوية التي ستحصل عاجلاً ام آجلاً، لن تكون على حساب حزب الله بأي شكل من الاشكال، وبالتالي فإن دعم الثنائي الشيعي له كفيل بضمان تفوقه على منافسيه. ولكن ان يقول بأن لا وجود لمرشحين "بيعبوا الكرسي"، فهذا يعني كسر الجرّة مع الآخرين. الا ان شخصية قريبة من "المردة" افادت بأن ما قاله رئيس التيار لم يصب بأذى احداً ولم يقطع الصلة مع احد، لانه في الاصل لم يعلن احد ترشيح قائد الجيش او المدير العام للامن العام بالانابة او غيرهما، ما عدا الوزير السابق جهاد ازعور الذي رشحه تجمع المعارضين، وليس سراً ان فرنجية يرى فيه خصماً غير قادر على المنافسة لانّه حصيلة تقاطع مصالح سرعان ما ستتلاشى (ويراهن البعض على ان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سيكون اول من يسحب ورقة ازعور حين تصبح نسبة الانتخاب عالية وتفرض جدّيتها). وعليه، تقول الشخصية نفسها ان كلام فرنجية لا يهدف الى الاستخفاف بأحد، بقدر ما يحثّ داعمي المرشحين الجديين الى الخروج علناً ووقف هذه المسرحية الرئاسية التي اخذت وقتاً وجهداً اكثر مما يجب.

لكل انسان شخصيته وصفاته، وارتأى فرنجية ان ما يتمتع به على هذين الصعيدين يميّزانه عن غيره من المرشحين الحاليين، ولن يقبل بالانسحاب من السباق الرئاسي الا اذا وافق الثنائي الشيعي على مرشح "بيعبي الكرسي"، اي ان يضعه هذا الثنائي في اجواء يراها "حرجة" عليه، ويعطيه الضمانات اللازمة لاعلانه "رجل العهد".