رغم الحرب الدائرة في لبنان منذ نهاية الصيف الماضي، لم تتأثر حركة المغتربين القادمين الى لبنان هذا الصيف، فأعداد الواصلين خلال شهر حزيران هذا العام زادت عن الـ400 ألف وهو رقم شبيه بما سُجّل في حزيران الماضي، وقبل انتهاء الحرب التي رغم المصائب الكبيرة التي تحملها سجّلت بعض الفوائد.
صحيح أن نسبة إشغال الفنادق في بيروت لا تتخطّى 30 بالمئة، وهي انخفضت اكثر بعد استهداف الضاحية الجنوبية والدعوات للخروج من لبنان، وصحيح أنّ مداخيل الفنادق تراجعت الى النصف نسبة للسنة الماضية، إلا أن قطاع المطاعم والمقاهي لم يتأثر، بل يمكن القول أنّه وتحديداً في المناطق البعيدة عن بيروت شمالاً، شهد إقبالاً شديداً من قبل المغتربين اللبنانيين.
يقول أحد المغتربين الجنوبيين أن منطقة صور كانت المفضلة حيث يقضي فيها معظم أوقات عطلته عندما يأتي الى لبنان، ولكنه بحسب ما يصرح لـ"النشرة"، ابتعد عن صور هذه المرة وقضى معظم إجازته في منطقة البترون، وذلك الأحداث الجارية، ومثل هذا المغترب كثر منهم الذين كانت هذه المدينة وجهتهم الاولى هذا العام، فاستفادت مطاعمها ومقاهيها ومسابحها من هذا الواقع الأليم الذي يمرّ به لبنان.
فاطمة هي مغتربة جنوبية في أفريقيا، وصلت الى بيروت منتصف شهر حزيران الماضي برفقة ولديها، ولكنها بحسب ما تقول لـ"النشرة" لم تزر الجنوب سوى مرات قليلة، فهي فضلت أن تسكن بالقرب من منطقة جبيل لإبعاد "شبح جدارات الصوت" عن آذان أولادها غير المعتادين إطلاقاً على هذه الأصوات، وتضيف: "أمضينا عطلتنا في منطقة جبيل والبترون، وكان الاهل يزوروني باستمرار في مكان إقامتي، وكل مشاريعنا كانت هنا".
استفادت هذه المناطق من واقع الحرب الذي دفع اللبنانيين المقيمين والمغتربين الى محاولة البحث عن بعض الهدوء للاستمتاع، ولكن هناك ايضاً فئات أخرى استفادت من واقع الحرب، منها بيوت الضيافة خارج الجنوب، وأصحاب الشقق المفروشة.
فانتشرت في الجنوب تجارة الشاليهات وبيوت الضيافة بشكل كبير خلال الأعوام القليلة الماضية، ففي الخيام مثلا هناك منطقة كاملة تسمى "منطقة الشاليهات"، وكانت تستقطب أعداداً كبيرة من المغتربين خلال الصيف، ولكنها هذا العام تتعرض للقصف والاستهداف، وباتت الشاليهات، خاصة في الجزء القريب للحدود مع اسرائيل، فارغة متروكة، الأمر الذي رفع نسبة الطلب على الشاليهات في المناطق الأخرى.
مع بداية الحرب ازدهر قطاع الشقق المفروشة مع اضطرار أبناء الجنوب والضاحية الى استئجارها تحسباً لنزوح محتمل بحال تصاعدت وتيرة الحرب، فعماد على سبيل المثال وهو مالك محل تجاري في الضاحية الجنوبية استأجر مع عائلته شقّة في صوفر بألف دولار شهرياً لمدة شهرين، ويقول لـ"النشرة": "لم نحتاجها كون الحرب لم تحصل، ولكننا استعملناها خلال عطل نهاية الأسبوع للراحة، إنما يمكن القول أنني خسرت المال لاجل لا شيء".
ارتفعت أسعار الشقق المفروشة بشكل قياسي بداية الحرب في تشرين الأول الماضي، وكانت شروط الاستئجار قاسية بسبب ارتفاع أعداد الراغبين، واستُؤجرت مئات الشقق المفروشة التي لم يتم استعمالها، فانخفض الطلب عليها نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، ولكن خلال الأسبوع الماضي وبعد استهداف الضاحية الجنوبية، عادت وتيرة استئجار الشقق المفروشة الى التصاعد، وفجأة عادت اعلاناتها لتنتشر على وسائل التواصل، والأسعار هذه المرة تتراوح بين 500 و1500 دولار أميركي للشهر الواحد، واللافت أنّ غالبيّة مالكيها إن لم يكن كلهم يشترطون أن يكون الحد الأدنى للإيجار ثلاثة أشهر.
مرّة جديدة قرّر عماد استئجار شقة مفروشة، هذه المرة في منطقة الحمرا، إذ يُشير الى ان عائلته تخاف من فكرة الحرب ولا تستطيع تحمّلها، لذلك انتقلنا الى المنطقة المذكورة بانتظار أن يعود الوضع الى استقرار معيّن يُعيدنا الى الضاحية.
عندما لاحت بوادر الحرب عادت محاولات الاستثمار الى الواجهة، ولو انها لم تتوقف يوماً حيث ارتفعت الإيجارات بشكل غير مسبوق مع أزمة النزوح، وبالتالي يمكن القول فعلا أن مصائب الحرب عند قوم فوائد، ولو كانت فوائد "رخيصة أخلاقيًّا" كمسألة رفع إيجارات الشقق المفروشة.