يترقب العالم الموعد الذي ستقرره طهران لشن الضربة العسكرية المنتظرة على اسرائيل، رداً على اغتيال القيادي الفلسطيني اسماعيل هنية على الاراضي الايرانية. طال امد الرد، وهو حق من حقوق البلد الذي تم استهدافه، ولكن المسألة تحمل اكثر من ذلك، بعد انقسام الآراء حول ما اذا كان الرد المرتقب مرتبطاً بالولايات المتحدة الاميركية التي سبق واعلنت صراحة انها ستدافع عن اسرائيل، كما فعلت في نيسان الفائت حين اسقطت -مع تحالف كبير- الصواريخ والمسيرات التي اطلقتها طهران نحو تل ابيب. الانقسام مردّه الى ان الكلام يدور في الكواليس حول تنسيق ايران مع الولايات المتحدة حول نوع الرد وطبيعته وقوته، بحيث يحفظ صورة الايرانيين ولا يؤذي الاسرائيليين، ناهيك عن ضبط ايقاع ضربات كل من: حزب الله وحماس والحوثيين والمنظمات المقاتلة في العراق وسوريا. ما يقال هو ان الايرانيين لا يزالون مهتمين بعدم التصعيد في المنطقة، وانهم يتفقون مع الاميركيين حول مسألة عدم انجاح مساعي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لجرّ المنطقة الى حرب شاملة، خصوصاً وانهم اصبحوا في الامتار الاخيرة من مرحلة جديدة ستكتبها الانتخابات الرئاسية الاميركية المرتقبة، وما نتج عن الانتخابات التشريعية في اوروبا، والخلافات المشتعلة داخل الحكومة الاسرائيلية، ومن استطاع ان يضبط ايقاع المواجهات على مدى 10 اشهر، من غير المرجح ان يغيّر استراتيجيته في الايام والاسابيع القليلة المقبلة.

ولا يخفى ان اميركا تعيش اليوم على وقع الرد الايراني، فالحزب الديمقراطي الذي اعتمد رسمياً نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس كمرشحة للانتخابات المقبلة بدلاً من الرئيس جو بايدن، تماماً كما الحزب الجمهوري الذي اعتمد على الرئيس السابق دونالد ترامب لمواجهة هاريس، لا يفوّتان فرصة للتبجّح بعزمهما عن الدفاع عن اسرائيل من كل المخاطر المحدقة بها من دون شروط، ولكن فعلياً لا يمكنهما الخروج عن قواعد موضوعة يلتزمان بها على حد سواء، واوّلها عدم الدخول ميدانياً في الحرب والاكتفاء بالمساعدة اللوجستية والاسراتيجية، والحرص على ضبط "الجنون" الاسرائيلي قدر الامكان لان المصالح الاميركية والاوروبية في المنطقة ستكون معرضة لخطر غير مسبوق وليس من السهل تخطيه.

يقول ترامب انه لو كان رئيساً لما سمح لايران بتهديد اسرائيل، فيما تقول هاريس انها ستدافع عنها وترغب في الوقت نفسه بالوصول الى تسوية للصراع. هذا ما تأخذه ايران في الاعتبار، وهي بالتالي تبحث عن السيناريو الانجح لابقاء صورتها على انها حاملة مشعل المقاومة في الشرق الاوسط والوجهة الوحيدة للتفاوض والحديث عن الاستقرار في هذه البقعة من العالم، وهي قطعت بالفعل شوطاً كبيراً في هذا السياق من خلال المفاوضات التي تجريها مع الولايات المتحدة، وكسر الجليد مع الدول العربية الخليجية، وبالاخص السعودية والامارات، اضافة الى المحافظة على علاقات متينة جداً مع روسيا والصين.

من هنا، يحتار المرء في معرفة من سيستفيد من الرد الايراني، هل هو ترامب ام هاريس، ففي حين ستبدو هاريس وكأنها قامت بكل ما يلزم للدفاع عن اسرائيل (الادارة الاميركية الحالية هي من الحزب الديمقراطي)، ولا تزال تسعى الى تحقيق تسوية وانهاء الحرب، سيخرج ترامب ليقول ان الضربة الايرانية تُظهر ضعف الديمقراطيين وانه خلال ولايته لم يسبق لايران ان استهدفت اسرائيل، وانه قادر على تجنيب الاسرائيليين مثل هذا السيناريو مستقبلاً، وفي حين انه لم يكشف عن خطته في هذا المجال، من الواضح انه سيحتاج الى التفاوض بطريقة مباشرة او غير مباشرة مع الايرانيين، لان استراتيجيته السابقة القائمة على الحصار الاقتصادي الّتي اثبتت فشلها الذريع بدليل القدرات التي اكتسبتها حماس وحزب الله وقوى اخرى في المنطقة خلال السنوات السابقة (وليس فقط في السنوات الاربع الاخيرة)، والصمود الذي اظهره الجميع على الرغم من الضائقة التي فرضتها ادارة ترامب في حينه، والتي طالت شعوب الدول المستهدفة وليس فقط القوى المستهدفة ما جعل هذه الشعوب تنحو اكثر في اتجاه الخط المعارض لاميركا.

وهكذا، باتت ايران ايضاً عاملاً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية الاميركية.