ما صدر عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من كلام ومواقف في اطلالته الاخيرة منذ ايام، وضع اطاراً اكثر واقعية للمعركة الدائرة بين الحزب واسرائيل منذ نحو 10 اشهر على خلفية الحرب على غزة. وما لم يقله المسؤولون الاسرائيليون علناً على الرغم من اقتناعهم به (لجهة عدم القدرة على القضاء على حزب الله)، قاله نصر الله في موقف علني من ان هدف المواجهات حالياً ليس القضاء على اسرائيل بل منعها من تحقيق اهدافها ومنها القضاء على حلم الدولة الفلسطينية. هذا الامر يعني عملياً ان المواجهة المشتعلة لم يعد من المتوقع ان تنتهي بالضربة القاضية، بل بالفوز بالنقاط، خصوصاً وانّ المعادلات كانت قد تحدّدت قبل فترة، ويتم التعامل مع خرقها في الوقت نفسه من قبل الولايات المتحدة وايران والدول العربية والاجنبية المعنية.

هذه المرة، اظهر نصر الله بما لا يقبل الشك انّ الحزب سيقارع الاسرائيليين بالنقاط، وشرح معادلة قائمة على ان ما سيعاني منه اللبنانيون سيعاني منه في المقابل الاسرائيليّون ايضاً، واعطى الامثلة على ذلك من خلال الحديث عن التهجير على طرفي الحدود، وشلّ حركة الطيران في البلدين... مشدداً على ان هذا الامر يحسب للحزب لانه في السابق لم يكن هناك مثل هذه المعادلة، وكانت المشاكل تحطّ فقط في الجانب اللبناني. وذهب الى ابعد من ذلك، حين عدّد المصالح الحيوية الاسرائيلية في الشمال من مصانع ومنشآت تقدّر بحوالي 130 مليار دولار يمكن القضاء عليها خلال ساعة، لا بل نصف ساعة! محاولاً بذلك ارساء معادلة اقتصادية ايضاً، تفيد بأنّ تعطيل الاقتصاد اللبناني (المعطّل اصلاً)، سيؤدّي الى تعطيل الاقتصاد الاسرائيلي. ولكن في هذه النقطة تحديداً، هناك مشكلة مفادها انه لدى اسرائيل قدرة تدميريّة اكبر بكثير مما يملكه الحزب، وانه اذا كان صحيحاً انّ اسرائيل ستتألم جراء ضربات الحزب، الا انّ لبنان سيئنّ من الوجع جراء الهمجيّة الاسرائيليّة، وهذا الكلام ليس لبثّ الاحباط والخوف لدى اللبنانيين، بقدر ما هو اعطاء صورة منطقيّة عما يمكن ان تشهده البلاد اذا ما تحوّلت المعركة الحاليّة الى حرب. بمعنى آخر، من المؤكّد ان الحزب قد تطوّر وبات اكثر قوة وقدرة وسيكسب نقاطاً ولكن من المتوقع ان يخسر في النهاية لان اسرائيل ستكسب نقاطاً اكبر، مع الاشارة الى ان حجم الاضرار لدى الاسرائيليين سيكون كبيراً وغير مسبوق ولكنه سيكون اكبر في لبنان، للاسف.

وكل هذا يعيدنا الى النقطة المحورية، وهي ان احداً من اللاعبين المحليين والاقلميين والدوليين، لا يشك ولو للحظة، ان نتيجة المعارك والحروب لن تفضي الى القضاء على اي طرف، فاسرائيل ستبقى حاضرة، والحزب بدوره لن يختفي، وستعود الاسطوانة نفسها للعزف بعد سنوات قليلة، وكل الخسائر البشرية والمادية ستطوى، انما ضمن تسوية جديدة بمعطيات مجدّدة، على غرار ما حصل في العام 2006 مع القرار الدولي رقم 1701. إنها اللعنة التي تعاني منها المنطقة والتي خطّطت لها بنجاح الدول الغربية عبر "زرع" اسرائيل في هذه البقعة الجغرافيّة منتصف اربعينيات القرن الفائت، ومن المرجح ان تستمر هذه المعاناة لسنوات عديدة اخرى، في معارك ستنتهي باعلان الفائز بالنقاط وليس بالضربة القاضية، اي افساح المجال مجدداً لصولات وجولات كثيرة على مرّ السنوات، يكون الخاسر الاكبر فيها المواطنون فقط، وتبقى الدول الكبرى على كذبها وحبّها الزائف لنشر مبادئ السلام والقيم الانسانية، فيما هي خططت منذ عقود للوصول الى هذه الحالة من الصراع الذي لا ينتهي مهما طال الزمن.