نعوّل على مساهمة روسيا في معالجة ملف النازحين السوريين

أشار النائب السابق أمل أبو زيد، إلى أنّ "العلاقة التي تجمع بين لبنان وروسيا قديمة وحميمة، وقد بدأت في عهد القيصر إيفان الرهيب عندما قدّمت موسكو مساعدات سخيّة للكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية، وفي لبنان أبناء لها وإكليروس ومؤسسات متنوعة. ثم اتسع نطاق المساعدات ليشمل جميع مسيحيي الشرق بلا استثناء. بل إن الشعب الروسي العظيم ضحّى بنخبة من أبنائه لتحرير اللبنانيين من الاحتلال التركي. وتحتضن مقبرة مار متر في الأشرفية رفاة الجنود الروس الذين استشهدوا في بيروت".

كلام أبو زيد جاء خلال احتفال لمناسبة مرور 80 عامًا على تبادل العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وروسيا في موسكو بحضور الممثل الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ميخائيل بوغدانوف.

وأوضح أنّه "يمكن القول إن العلاقات اللبنانية الروسية كانت دائمًا علاقات جيدة وفي نمو وتطوّر دائمين خصوصًا في الآونة الأخيرة. ومن المهم أيضاً الإشارة هنا إلى أن الاهتمام الروسي بأوضاع الشرق الأدنى، راهنًا، إلى كونه امتدادًا لتاريخ عريق، يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببعض الحقائق والوقائع والتحديات التي تواجهها المنطقة".

وقال أبو زيد: "لم تكن روسيا يومًا إلا صديقة لبنان. لم تتصرّف في أي مرحلة إلا بدافع الأخوة ومن منطلق الاحترام. لم تتدخّل يومًا في شؤونه الداخلية ولا مارست أي نوع من الضغوط لاستمالته أو التأثير عليه. وما حاولت يومًا تأليب فئة على أخرى أو اللعب على الوتر الطائفي والدخول في زواريب الصراعات الداخلية اللبنانية".

وأضاف "إن دخول روسيا منذ 9 سنوات على خط الأزمة في سوريا قلب الموازين وبدّل الصورة وغيّر المعادلة. وغني عن القول إن التعاطي الروسي اليوم مع لبنان يحصل من خلفية أن الجغرافيا اللبنانية هي امتداد للجغرافيا السورية وكذلك الواقع والتاريخ والروابط. قد يقول البعض إن الاهتمام الروسي بسوريا يحجب الاهتمام بلبنان وإن انشغال روسيا في الحرب في أوكرانيا في الوقت الراهن يؤدي إلى تراجع التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط ومن بينها لبنان. في الواقع هناك ترابط بين الملف اللبناني والسوري استنادًا إلى حضور روسيا القوي في سوريا كحليف وشريك".

وشدد على أنّه "في الحقيقة أن لبنان بحاجة إلى صداقة روسيا ومساعدتها له في تخطّي سلسلة المعوقات والحواجز والعقبات التي ترتفع يومًا بعد يوم أمامه. وأن تتعامل معه كملف قائم في ذاته من دون ربطه بأي ملف آخر. هذا ما تحتّمه خصوصية لبنان وتركيبته الطائفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى معاناته المتصاعدة من جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية والحرب الدائرة على أرض جنوبه منذ 10 أشهر".

وأكد أبو زيد "أنّ روسيا مدعوة بدافع الصداقة ومن موقع الأخ الأكبر إلى المبادرة تجاه لبنان وإدراجه في قائمة أولوياتها وفي خانة الدول "الأكثر رعاية". أولى الاهتمامات هي مساعدة لبنان في ملف النازحين السوريين وتأمين ظروف عودتهم. نحن نعلم أن روسيا هي أول من بادر للمساعدة وقدمت اقتراحات عملية كان يؤمل منها أن تفضي إلى نتائج مقبولة، في حين أن المجتمع الدولي كان يناور ويقامر باستقرار لبنان ونسيجه الاجتماعي وتركيبته الطائفية"، وتابع "لقد بات ملف النازحين السوريين يشكل عبئًا إن لم نقل خطرًا على لبنان من النواحي المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والديموغرافية. لقد أصبح النزوح "خطرًا وجوديًا".

وأوضح "أننا نحن نرى أن مساهمة روسيا في هذا الملف تكون على 3 مستويات هي لعب دور الوسيط والضامن بين الحكومتين اللبنانية والسورية في المفاوضات بينهما، و الإسهام الروسي في دفع العملية السياسية في سوريا قدمًا لأن الحل السياسي للأزمة هو المفتاح لعودة النازحين وإعادة إعمار سوريا وتأمين الأموال والمساعدات الخارجية، وإطلاق تحرّك روسي باتجاه الدول العربية ولا سيما الخليجية منها لإقامة جسور الثقة وإزالة حواجز الشقاق بين سوريا والدول العربية ما يكرّس الاستقرار ويرسّخ الأمن ويعيد سوريا إلى موقعها الطبيعي على خارطة المنطقة، ما يكفل الشروع في إعادة الإعمار وعودة النازحين تدريجيًا إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم".

وقال إن "إعادة النازحين تستلزم حلاً سياسيًا وتتطلب أموالاً لا يمكن أن تأتي إلا من دول الخليج وخصوصًا السعودية وهذا يقتضي تسوية سياسية لروسيا دور أساسي في التوصل اليها".

وفي الموضوع اللبناني، أشار أبو زيد إلى أنّ "التركيز على دور إيجابي روسي مساعد في لبنان، ليس دعوة لروسيا للتدخل في لبنان بمقدار ما هو إعادة تجديد وتأكيد للعلاقة التاريخية بين البلدين، ولما تملكه روسيا من صداقات مع طوائف وأحزاب في لبنان، وهو ما يكرّس مصداقيتها للقيام بدور مساعد في الداخل اللبناني كتهدئة اللعبة واطفاء التوترات والتوصل إلى حلول للأزمات المتعددة بدءًا من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى تثبيت الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".

وأضاف "إذا كانت روسيا انسحبت من معادلة النفط والغاز في البحر المتوسط ولا تريد الخوض في هذا المجال الاستثماري، فإنها مدعوة إلى إعادة وضع لبنان على أجندتها الإقليمية في الشرق الأوسط والمبادرة إلى تشجيع استثمارات ومشاريع في لبنان في المجالات التي تخدم العلاقات اللبنانية – الروسية مثل المجال الثقافي والتربوي والتجاري والسياحي. ولا يغيب عن بالنا أن بين لبنان وروسيا قاسمًا مشتركًا هو محاربة الإرهاب وأن للبنان وروسيا عدوًا مشتركًا هو الإرهاب والجريمة المنظمة. لذا ندعو إلى تعزيز التواصل بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والأجهزة الروسية والتنسيق والتعاون في ما بينهما لردع ومواجهة أي تهديدات مستقبلية محتملة".

وتطرّق أبو زيد إلى الوضع المسيحي، فقال "لم تكن روسيا يومًا في موقع المحاباة أو المعاداة لأي فريق أو جهة أو طائفة في لبنان، فالتوازن هو سمة ال​سياسة​ الروسية في لبنان والعلاقات قائمة مع كل الطوائف من موقع التفهم والاحترام والابتعاد عن الانحياز. إلا أن روسيا كحامية للإيمان وحاملة للأمانة تقع عليها وفي هذه المرحلة مسؤولية إشعار المسيحيين في لبنان بأنهم موضع رعاية وعناية وبأن موسكو معنية بالوجود المسيحي في لبنان ومستقبله خصوصًا وأن لبنان بعد حروب العراق وسوريا أصبح مركز الثقل الأساسي والوحيد للمسيحيين في المنطقة. فإذا ضعف هذا الوجود وتعرّض للانتكاس والتناقص والتراجع سياسيًا وديموغرافيًا كدور وحضور فإن ذلك يعني انتهاء الوجود المسيحي في الشرق واختفاءه تدريجيًا كما تختفي الساقية في رمال الصحراء. اليوم يواجه لبنان امتحانًا وجوديًا ومفترقًا مصيريًا يتمثل بالهجمة الإسرائيلية الشرسة عليها. وإذا كان النزوح يمثل عبئًا ثقيلاً في الداخل فإن العدوان الإسرائيلي المتمادي يشكل خطرًا داهمًا على وحدته واستقراره واستمراره وهو ما نتطلع إلى روسيا للقيام بدور رادع ومانع لأطماعه التي لم تعد خافية على أحد".