أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّه "يا ليت كلّ مسؤول عندنا يعود إلى كلام الله، يسمعه، يتأمّل فيه، يسلّطه على ذاته، على مسلكه وأفعاله وتصرّفاته، فيجدّده ويحرّره وينعشه، مبدّلًا نظرته إلى الأمور. فيتساءل أمام وجدانه الوطنيّ: ما معنى عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة، لكي تنتظم الحياة العامّة في الدولة؟ فيستعيد مجلس النواب سلطته التشريعيّة ومساءلة الحكومة ومناقشة أعمالها؟ وتستعيد الحكومة شرعيّتها وصلاحيّاتها الدستوريّة كاملة؟ لا تستقيم حياة الدولة من دون رئيس لها: فهو وحده "يحلف بالله العظيم أنّه يحترم دستور الأمّة اللبنانيّة، وقوانينها، وأنّه يحفظ استقلال الوطن اللبنانيّ وسلامة أراضيه" (المادّة 50 من الدستور). وهو وفقًا للدستور "رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. ويسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه" (المادة 49). ألا نريد كلّ ذلك بالإحجام عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة؟".

كلام الراعي جاء خلال قدّاس إلهي وإزاحة الستار عن مجسّم البطريرك الطوباوي مار اسطفان الدويهي في باحة كنيسة السيدة في مجدل المعوش- الشوف، حيث أشار إلى أنّه "فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، إلى الله لكي يعطينا جميعًا نعمة الإصغاء لكلامه، فيعود كلّ واحد وواحدة منّا إلى صوت ضميره، صوتِ الله في أعماق كلّ إنسان. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد".

وفي المناسبة، ذكر "أننا نجتمع هنا في بلدة مجدل المعوش، لنقدّم قدّاس الشكر لله على نعمة تطويب البطريرك الكبير مار اسطفان الدويهي، ولنكرّس تمثاله، فيكون مصدر نعم وبركات للذين يكرّمونه ويطلبون شفاعته"، مضيفًا "الطوباوي البطريرك مار اسطفان كان يتردّد إلى مجدل المعوش هربًا من مضايقات حكّام طرابلس في دير سيّدة قنّوبين، ومن الخلافات مع مشايخ كسروان في دير مار شليطا مقبس (غوسطا)، وكان يجد الراحة من كلّ هذه المضايقات في بلدتكم المضيافة. فأنشأ كنيسة مار جرجس، وتفقّد بلدات الشوف راسمًا كهنة، بانيًا كنائس، واعظًا بسرّ المسيح وبكلام الحياة، منقّحًا المخطوطات وكاتبًا العديد ممّا ترك لنا من مخطوطات تاريخيّة ولاهوتيّة وأسراريّة وليتورجيّة. فكان حقًّا "منارة علم وقداسة"، وكانت حفلة تطويبه بحجمه: بأعداد المشاركين على الرغم من اهتزاز الأمن، وبتنظيم الإحتفال، وبميزة المذبح الذي اتّسع لجميع الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات".

وقال "سنة 1603 زار البطريرك يوحنّا مخلوف مجدل المعوش وأنشأ فيها كنيسة السيّدة التي ترمّمت ثمّ سنة 1683 هرب الطوباوي البطريرك مار إسطفان الدويهي إليها، وبنى كنيسة مار جرجس التي رمّمتموها. وكان يزور مغارة مار إدنا، بين مجدل المعوش ووادي الستّ، بهدف الإختلاء. وكان يزوره المارّة للتبرّك. كان على علاقة ممتازة مع الحكّأم الدروز، وهنا بدأ بكتابه تاريخ الأزمنة. وتبع احتفال التطويب قدّاسا شكر: الأوّل، في إهدن مسقط رأسه حيث ذخائر الطوباويّ محفوظة في كنيسة مار جرجس؛ والقدّاس الثاني، في الكرسيّ البطريركيّ في الديمان على مشارف وادي القدّيسين، والمقرّ البطريركيّ في قنّوبين، حيث سكن البطاركة حوالي أربعماية سنة من 1400 حتى 1840. فيسعدنا أن نكون معكم اليوم لقدّاس الشكر الثالث، ولتبريك تمثال الطوباويّ البطريرك مار اسطفان الدويهي الذي تكرّم به السيّد روميو ياغي رئيس البلديّة ورئيس إتحاد بلديات العرقوب والحرف تكريما للمرحومين والديه

وأضاف الراعي "يشبّه الربّ يسوع كلمة الله، في الكتب المقدّسة، بحبّة القمح. فكما الحبّة تحمل في جوهرها طاقةً للحياة ولإعطاء الثمار إذا وقعت في الأرض الطيّبة، ذات الماويّة، كذلك كلمة الله حيّة بحدّ ذاتها، وذات خصوبة روحيّة وأخلاقيّة وثقافيّة، إذا وقعت في عقولٍ توّاقة إلى المعرفة والإيمان، وفي قلوبٍ حارّة منفتحة على المحبّة والعطاء. لا يمكن قبول كلمة الله إلّا بالعقل والإرادة والقلب، كأرض طيّبة، لكي تثمر في المؤمنين حياةً روحيّة وأخلاقيّة حارّة وفاعلة، وفي الجماعة ثقافةً وحضارة حياة تطبع بمضمونها الحياة العائليّة والإجتماعيّة، وثقافة الشعوب".

وأوضح أنّه "يحذّرنا الربّ يسوع من ثلاثة مواقف تجاه كلام الله، وهي عدم الاكتراث بكلام الله وإهماله، المشبّه بوقوع الحبّ على جانب الطريق، فداسته الأقدام وأكلته الطيور، والسطحيّة وفقدان الأصول والماويّة الروحيّة، المشبّه بالصخر الذي يقع عليه الحَبّ، فييبس للحال، ولأنّ لا رطوبة فيه تعطيه الحياة، والإنهماك بشؤون الدنيا، المشبّه بالحَبّ الذي يقع بين الأشواك فتخنقه، وتمثّل الإنهماكات والإنشغالات والهموم التي تخنق الكلمة وهي صوت الله".

وقال "تميّز الطوباويّ البطريرك مار اسطفان الدويهي بقبوله كلمة الله بعقله وإرادته وقلبه، منذ نعومة أظفاره ثمّ إكليريكيًّا وكاهنًا إثنتي عشرة سنة، وأسقفًا سنتين وبطريركًا طيلة أربع وثلاثين سنة (1670-1704). كان حريصًا على التأمّل في كلام الله الذي ولّد عنده الإيمان، وأنماه ورسّخه فيه بثبات الرجاء، وجعله في قلبه حضارة محبّة"، متابعًا "كان الطوباوي البطريرك إسطفان مقتنعًا بأنّ كلمة الله هي إبن الله الذي صار بشرًا، يسوع المسيح، وهو المخلّص والوسيط بين الله والناس. عنه يتكلّم يوحنّا في بداية إنجيله. فهو الله نفسه الذي يوحي ذاته بحبّ لجميع الناس: يتوجّه إليهم كأصدقاء، ويخاطبهم ليدعوهم إلى الدخول في الشركة معه لقبولهم فيها. كلمة الله هي إبن الله الذي يسبق الخلق، إذ به "كلُّ شيء كوّن، وبدونه لم يكن شيء ممّا كوّن" (يو 1: 3)".

وشدد الراعي على أنّ "كلمة الله تجمع وتوحّد، لأنّها تنقّي كلّ واحد وواحدة منّا من شوائبه، من مواقفه، من عتيقه، من عاداته، وتفتح عقولنا وإراداتنا وقلوبنا إلى آفاق جديدة. فهي، يقول بولس الرسول، "كسيف ذو حديّن" (عب 4: 11)، تزيل الشوائب وتخلق إنسانًا جديدًا".

بدورها، أشار رئيس دير مارمارون الاب عادل العلم في كلمة توجّه فيها إلى البطريرك الراعي والحضور قائلاً: "مجدُ لبنان في مجدِ المعوش، ومجد المعوش من مجدِ بطاركة أقاموا فيها وقدّسوا تُرابها. وها هي اليوم تزدادُ مجدًا على مجدٍ، بتطويب بطريرك سكن فيها، هو الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي " شيخ المعوش"... وبقدومكم ومباركتكم يا غبطةَ أبينا البطريرك"، مضيفًا "مجدُ لبنانَ أعُطيَ لكم.... ولكن مجدُ لبنان لم يُعطى لكم ولأسلافكم البطاركة إلاّ لأنكم أنتم أعطيتم للبنان مجدهُ.... لكي تبقى بكركي صخرةً لن تقوى عليها ابوابُ الجحيم لأنها الصخرة التي بُنيَ عليها لُبناننا، لبنان الكبير وستكون هي صخرة لبنان الآتي، لبنان الوطن الذي نطمح اليه. وللتاريخ أمانة أن فكرة لبنان الجديد ابتدأت مع قدوم البطريرك الدويهي الى الشوف الآبي، حيث وضع في خُلوته المعوشية أُسُس هذا اللبنان، الذي ثبّتهُ البطريرك الياس الحويك، وأعادَ تركيز أُسُسِهِ في زيارته التاريخية الى هذا الجبل البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، لتكون زيارتكم اليوم تأكيدًا واصرارًا وثباتًا على ان لبنان الذي نريده هو لبنان العيش المشترك ، لبنان للجميع".

وقال: "نحتفلُ اليومَ وجنوبِنا وأهلُ جنوبنا ينزفونَ وجعًا وقهرًا وتهجيرًا يستصرخون أبوَّتكم، مؤمنين أن لا ملاذَ ولا ملجأ ولا حاضنًا لهم إلاّ كنيستهم يستمدون منها قوتهم وثباتهم في ارضهم. ويتعانق دير مار مارون مجدل المعوش مع قرى الحرف جميعًا لنوجه لغبطتكم الشكر معطرًا بالقداسة التي تفوحُ من هذا المكان بالذات الذي كان كرسيًّا بطريركيًّا بناه سلفكم البطريرك يوحنا مخلوف وسكنه البطريرك الدويهي قبل أن يبني كنيسة مار جريس في مجدل المعوش مع عليّة لينتقل اليها لاحقًا، لنشكر لك عاطفتكم ومحبتكم وابوتكم، تشاركوننا فرحتنا واحتفالنا بالطوباويّ البطريرك اسطفان الدويهي الذي في قلبِ كل واحد من أبناء هذه المنطقة، خاصة ابناء مجدل المعوش، مساحة خُصّصت بمحبتهم لكنيستهم خاصة للبطريرك الدويهي ولغبطتكم".

وأشار إلى أنّ "مزار هو الأجمل سعى اليه بمحبته وبدعم معنوي من أبناء بلدته وشيّدهُ رئيس بلدية مجدل المعوش ورئيس اتحاد بلديات العرقوب والحرف روميو ياغ، مشكورًا متمنيين له ولعائلته كل الصحة والعافية، ولأمواته الراحة الأبدية. وكلُّ ذلك بمباركة ودعم ومحبة راعي ورئيس أساقفة أبرشية بيروت المارونية المُحبّ والمتفهّم والمُضحّي المطران بولس عبد الساتر".

وقال: "لبنان بلد القديسين وموطىء اقدام المسيح، لا تخافوا حروباً ولا دماراً، اثبتوا في ارضكم وحافظوا على ارث اجدادكم، فالقديسون هم حماة لبنان، من حريصا الى قنوبين الى عنايا الى مجدل المعوش، سيبقى لنا لبناننا وطن الرسالة والعيش المشترك، لبنان الارز. امين".

إلى ذلك، أقام رئيس بلدية اتحاد بلديات العرقوب والحرف رئيس بلدية مجد المعوش روميو ياغي مأدبة عشاء على شرف البطريرك الراعي والفاعليات المشاركة في القداس، وألقى كلمة قال فيها: "مساء البطريركين مار بشارة بطرس الراعي الذي يزيّن ضيعتنا والطوباوي اسطفان الدويهي الذي صنع مجد لبنان وكان المعلّم بكل معنى الكلمة وزرع روح القداسة في الكنيسة. مجد المعوش التي عاشت والنعمة بوجود البطريرك اسطفان الدويهي فيها والتي تباركت من صلواته تكبر بوجود البطريرك الراعي وبوجود كل شخص مؤمن بأن لبنان لا يرتاح إلا بصلوات القديسين".

وأضاف ياغي "بطريرك الشراكة والمحبة والحياد الإيجابي اليوم في مجد المعوش يزيح الستارة عن تمثال الطوباوي الجديد وكلنا أمل قريباً أن يزيح الستارة عن لبنان الجميل، لبنان الحياة، لبنان القداسة والايمان".

وقال: "مجد المعوش هي صورة صغيرة عن لبنان، فيها من الوطنية ومن الايمان بيوت. وفي الوقت الذي تخاف فيه كل الناس نحن لسنا خائفين لأن القديسين الذين تمسكوا بهذه الأرض علّمونا أن لبنان رسالة، وعلّمنا مار شربل أن لبنان قداسة وعلّمتنا القديسة رفقا أن الوجع مرحلة إنما السلام آت، وعلّمنا القديس نعمة الله الحرديني أن بالعلم خلاصنا واليوم الطوباوي الجديد البطريرك اسطفان الدويهي يقول لنا من قلب الحرب هناك أمل وهناك ضوء آت من الايمان". وختم "مجد المعوش تكبر فيكم ونحن وأنتم مكملون لأنه من خلال وحدتنا وصلابة وقوة ايماننا المسيحي والاتكال على الله وقديسينا فقط نحمي لبنان".