بات ينذر ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين باندلاع حرب واسعة ومفتوحة في المنطقة، بعد إقدام إسرائيل على اغتيال القائد الجهادي في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت من جهة، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران من جهة أخرى، وبينهما استمرار العدوان على غزة الذي دخل شهره الحادي عشر.

وإذا كان رد كل من "حزب الله" وإيران محسوما، بانتظار توقيته وماهيته على الرغم من كل الجهود الدبلوماسية التي تسعى إلى التهدئة وخفض التصعيد، وتاليا الرد الإسرائيلي بعد إطلاق مسؤوليها السياسيين والعسكريين تهديدات متواصلة، فإن الخطورة من تدحرج الأمور دفعت إلى إعداد خطط طوارئ وعلى كافة المستويات تحاكي الحرب على لبنان في حال وقوعها.

وأكدت مصادر سياسية لـ"النشرة"، أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على صعوبة المرحلة المقبلة وخاصة في الأسبوع المقبل قبل موعد استئناف المحادثات التي دعت إليها الولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر للاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة بين إسرائيل وحماس، حيث تتوقع هذه المصادر أن تكون هذه الأيام الفاصلة صعبة وخطيرة في تحديد مصير المفاوضات في الميدان.

وأشارت المصادر، أن إسرائيل تحاول الهروب إلى الأمام من خلال التصعيد غير المسبوق، وقد بدأت مجددا بارتكاب المجازر في غزة وحرب الإبادة تحت عناوين مختلفة، بينما في لبنان باشرت بتوسيع نطاق عدوانها من خلال التركيز على إستهداف المدنيين والمنازل الآهلة في القرى الجنوبية، ناهيك عن عمليات الاغتيال والتي طالت للمرة الأولى مدينة صيدا حيث استهدفت القائد القسّامي سامر الحاج.

بالمقابل، ترى المصادر أن تأخر رد حزب الله يأتي في إطار الحرب النفسية ضد إسرائيل وإنزال الخسائر الاقتصاديّة بها عبر شلّ حركتها التجاريّة ووقف الطيران المدني وإقفال المصانع وسواها من التدابير الإحتزارزية دون أن تطلق رصاصة واحدة، فيما يتركز البحث في ردّ قاس وموجع دون أن يستجلب الحرب إلى لبنان أو يجر المنطقة إليها أو يعطي إسرائيل ذريعة للهروب إلى الأمام.

تحديث خطط الطوارئ

على المستوى اللبناني، أكدت بعض الوزارات وتحديدا الصحة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية عن تحديث خطط الطوارئ، التي كانت قد وضعت منذ بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان في 8 تشرين الأول 2023، وأعلنت استنفار الفرق الخاصة بإدارة الكوارث التي وضعت في حالة تأهب قصوى وعن استحداث مراكز إيواء لآلاف العائلات في المدن الكبرى في الجنوب وبيروت، وصولاً إلى الشمال والبقاع، مع آلية إيصال المساعدات إليها.

ودعا نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود، كافة الجهات الرسمية والبلدية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى تفعيل خطة الطوارئ في صيدا إستعداداً لكل الإحتمالات، وخاصة أننا نواجه عدو مجرم غادر لا يتوانى عن إستهداف كل شيء، ولنا في غزة الصمود نموذج لإجرامه ونازيته.

وتساءل حمود عن لجنة إدارة الطوارئ والكوارث وعن هذا التأخير المريب في إطلاقها لورشة كبيرة بدعوة من محافظ الجنوب لإستنفار البلديات وكل جمعيات المجتمع المدني لتفعيل الخطة ودراسة الإمكانيات وتجهيز كافة المستلزمات وتفقد المدارس، التي ستكون نقاطا لإيواء أهلنا في الجنوب إذا ما تطورت الأمور نحو الأسوأ، فصيدا كانت السبّاقة في كل المحطات والأزمات التي مرت على لبنان.

وأشار إلى أن الجماعة الإسلامية وكافة مؤسساتها الإجتماعية والصحية والتربويّة في حالة إستنفار وجهوزية، وتمد يدها إلى الجميع لبلورة عمل إغاثي مشترك. مؤكدا أن صيدا تفتح قلبها ومؤسساتها وبيوت أبنائها لأهلنا في جنوبنا المقاوم الصامد، فنحن وإياكم سواء بسواء أمام هذا العدو المجرم.

وعلى المستوى الفلسطيني، جددت وكالة "الأونروا" الإعلان عن خطة الطوارئ الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث حددت11 مركز إيواء في حال الحاجة، بعد تجهيزها لاستقبال النازحين.

ولاحظت أوساط فلسطينية عبر "النشرة" أن معظم مراكز الإيواء (أكثر من نصفها 6 من أصل 11) حدّدت في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، النقطة الأبعد عن الحدود الجنوبية، بينما لم يتمّ اختيار أي مركز في مدينة صيدا رغم أنها تضم العدد الأكبر من اللاجئين واعتبار مراكز ايوائهم في معهد سبلين المهني في منطقة إقليم الخروب.

وتشمل مراكز التي أعلنت عنها "الأونروا": مدرسة حولا – كفربدا في منطقة صور، مدرسة منصورة – القاسمية في منطقة القاسمية، بيت جالا، بير زيت مركز سبلين في مركز سبلين المهني في منطقة إقليم الخروب، بتير، جبل طابور، مجيدو مزار، منارة ومعهد سبلين مدرسة طوباس وغزة في نهر البار –الشمال، ومدرسة الجرمق–البقاع.

وتتضمن تدابير الجهوزية التي اعتمدتها الوكالة التخزين المسبق للمواد الطبية والغذائية والوقود، بالإضافة إلى توفير الأدوية المزمنة للمرضى مسبقًا. وتعمل "الأونروا" على تحديد شركاء دعم أساسيين لكل مركز من مراكز الإيواء لتعزيز توفير الخدمات عند الحاجة.

وأوضحت مديرة "الأونروا" في لبنان دوروثي كلاوس، خلال ورشة عمل داخلية في بيروت حول الجهوزية، أن "الهدف من هذا النشاط هو مراجعة خطط الاستجابة للطوارئ، وتعزيز المبادئ الإنسانية، وضمان فهم الموظفين لمهامهم وجهوزيتهم لأي حالة محتملة"، "وستساعدنا هذه الجهود في دعم وحماية اللاجئين بشكل أفضل وضمان سلامتهم وعافيتهم خلال حالات الأزمات الإنسانية".

توازيا، دعت الجبهة الديمقراطية الى سلسلة خطوات عاجلة ومنها:

-أولا: دعوة "الأونروا" لإقرار خطة طوارئ عاجلة وشاملة وموقتة، ووضع كافة مراكزها في جهوزية كاملة تستفيد من الثغرات التي سجلت خلال عدوان 2006، سواء لجهة منح مدراء المناطق صلاحيات موقتة في حدود الإستجابة لتداعيات أي عدوان، أو اعتماد اللامركزية في تخزين المواد الغذائية والصحية والمشتقات النفطية، نظرا لاحتمال عزل المناطق عن بعضها البعض.

وقال مسؤول دائرة وكالة الغوث في الجبهة فتحي كليب "مع التقدير للخطة التي باشرت "الأونروا" في وضعها بما يتعلق بمراكز الإيواء بشكل خاص، فإننا كنا نتمنى أن تكون نتيجة شراكة مع المجتمع المحلي والفصائل والمؤسسات الاجتماعية، التي سيكون لها الدور الكبير في انجاحها. داعيا إلى توفير أماكن لإيواء اللاجئين في بيروت بديلا للخطة المقترحة، نظرا لعدم القدرة على الانتقال إلى محافظات أخرى. مع الأخذ بعين الإعتبار أن بعض مراكز "الأونروا" قد تكون عرضة للاستهداف المباشر، كما يحصل في قطاع غزة.

وطالب كليب الوكالة العمل من أجل توفير مبالغ مالية كافية تستجيب للتحديات المطروحة، وأن تلحظ في خطتها المعتمدة مساعدات نقدية مباشرة، خاصة وأن المبلغ المرصود لا يكاد يلبي الحد الأدنى من الاحتياجات المطلوبة، مع مراعاة حقيقة أن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني هم من الفقراء ويؤمنون معيشتهم بشكل يومي، مما يعني توقف أعمالهم وبالتالي عدم قدرتهم على تأمين قوت عائلاتهم.

-ثانيا: دعوة هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى اجتماع عاجل بحضور ممثلين عن الهيئات الشعبية والصحية والدفاع المدني لنقاش الأوضاع المستجدة، ووضع خطة دعم عاجلة بالتوافق بين كافة مكونات الهيئة وبالتنسيق مع "الأونروا" ومع مؤسسات الدولة اللبنانية، وأيضا دعوة كافة الهيئات والأطر سواء اللجان الشعبية أو المؤسسات الاجتماعية والاتحادات والنقابات لأن تكون على جهوزية كاملة لمواجهة التداعيات المحتملة لأي عدوان إسرائيلي.

-ثالثا: دعوة الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها وبلدياتها لشمول اللاجئين الفلسطينيين باستراتيجياتها الإغاثية وبخطط الطوارئ التي أعدتها بهذا الشأن، بمعزل عن التنسيق مع وكالة الغوث. فهناك مناطق لن تستطيع "الأونروا" الوصول اليها، خاصة بما بعض التجمعات القريبة من المدن اللبنانية.

-رابعا: دعوة جميع الأطر الفصائلية والشعبية والاجتماعية إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية لجهة الإستجابة الجماعية والموحدة لأية تداعيات متوقعه من عدوان صهيوني على لبنان والمخيمات، لأن التجربة التاريخية أكدت أن الاحتياجات ستكون أكبر من أن يقوى طرف واحد أو هيئة بعينها على التصدي لها وأن معيار النجاح في هذه المسألة يبقى العمل الموحد القادر على التخفيف عن شعبنا في لبنان تداعيات أي طارئ.