توحي مختلف المعطيات الراهنة بأن المعادلة الداخلية لا تزال هي نفسها، حيث يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نفسه، في حال قرر الذهاب إلى أي إتفاق مع حركة "حماس"، أمام معضلة رفض وزراء أحزاب اليمين المتطرف، الذين يهددون بالإنسحاب من الإئتلاف الحاكم، في حين أن قوى المعارضة لا تزال تؤكد دعمها لأي إتفاق يعيد الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة.

حتى الآن، لا يزال نتانياهو يتعمد نهج المراوغة، فهو يعلن أنه سيرسل وفداً للتفاوض، لكنه في الوقت نفسه يتعمد الذهاب إلى التصعيد العسكري، الأمر الذي تكرر في أكثر من مناسبة في الماضي، إلا أن الظروف الحالية قد تدفعه للذهاب إلى إتفاق، بالرغم من موقف الوزراء المعارضين لذلك، خصوصاً بعد عمليات الإغتيال التي أقدم على تنفيذها مؤخراً، لا سيما في العاصمة الإيرانية طهران والضاحية الجنوبية لبيروت.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة للواقع في الداخل الإسرائيلي، عبر "النشرة"، إلى أن نتانياهو يستطيع الإستناد إلى تقدم شعبيته إستطلاعات الرأي التي جرت في الفترة الماضية، نظراً إلى أن همه الأساسي كان ينصب على عدم خسارته موقعه السياسي، فهو عمد إلى إطالة أمد الحرب لمصالحه الخاصة بالدرجة الأولى، وبالتالي اليوم، خصوصاً بعد عمليتي الإغتيال، من الممكن أن يوافق على الذهاب إلى تسوية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يبحث دائماً عن الصورة التي يمكن يعتمدها للحديث عن "إنتصار"، الأمر الذي على ما يبدو بات يجده بإغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية والقيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، خصوصاً إذا ما كان ثمن ذلك هو إلغاء الردود المنتظرة من قبل طهران و"حزب الله" وحركة "أنصار الله" اليمنية.

وتشير المصادر نفسها إلى أنه إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم حرص الولايات المتحدة، سواء كان ذلك بالترغيب أو الترهيب، على دفع إيران إلى عدم الرد، لكن المعضلة تبقى أن المحور المقابل لم يعط واشنطن، على الأقل حتى الآن، هذه الورقة، حيث لا يزال يؤكد على حقه في الرد على التجاوز الإسرائيلي، وبالتالي ليس هناك ما هو مضمون، بالرغم من أن واشنطن سعت إلى رفع مستوى الإستعدادات التي تصب في صالح حماية تل أبيب.

في الوقت الراهن، تطرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كانت تلك الردود من الممكن أن تحصل قبل موعد جولة المفاوضات المقرر في 15 آب الجاري، أو من الممكن أن تؤجل إلى ما بعد الإنتهاء منها، الأمر الذي يفتح الباب أمام أسئلة أخرى تتعلق بما إذا كانت نتيجة المفاوضات ستؤثر على قرار الردود، سواء كان ذلك بالنسبة إلى حصولها أو إلغائها أو حتى بالنسبة إلى حجمها وأهدافها.

في هذا الإطار، تلفت المصادر المتابعة إلى بعض النقاط التي تستحق التوقف عندها، لا سيما بالنسبة إلى جبهة جنوب لبنان، حيث تشير إلى وجود عدد من الدعوات التي تصدر عن قيادات سياسية وعسكرية تطلب توجيه ضربة لـ"حزب الله"، بالرغم من التقديرات بأن الجيش الإسرائيلي غير جاهز للقيام بعملية من هذا النوع، وتوضح أن اللافت أن مصدر هذه الدعوات شخصيات تعتبر مؤيدة لنتانياهو وأخرى معارضة له.

هنا، ترى هذه المصادر أن هذا الأمر قد يكون الحجة التي يستند إليها نتانياهو، في حال تنفيذ "حزب الله" أي رد على عملية إغتيال شكر، للذهاب إلى عملية عسكرية على هذه الجبهة، سواء تم التوصل إلى إتفاق في غزة أو فشلت المفاوضات من جديد، على إعتبار أن هذا الأمر يساهم في تحقيق أحد أهدافه الأساسية، أي إطالة أمد حالة الحرب، خصوصاً أن المؤيدين لهذا السيناريو هم من مختلف الجهات، لا بل يمكن الحديث عن ان نسبة تأييده أكبر من نسبة تأييد إستمرار القتال في غزة.

في المحصلة، تعتبر المصادر نفسها أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة في الإجابة على بعض الأسئلة المفصلية، بالنسبة إلى مصير العدوان الحالي على غزّة والجنوب، حيث لا تزال الأمور مفتوحة على كافة الإحتمالات، لا سيّما أن البعض بدأ الحديث عن ترتيبات كبرى من المفترض أن تسبق وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض.