في العام 1995، حصل امر غير مسبوق اذ تعرض رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه اسحق رابين لعملية اغتيال على يد المتشدد ايغال عامير، وصدر كلام في تلك الفترة عن تسبب رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتيناهو بهذه الحادثة، بفعل تجييشه للمتشددين وحثهم على القيام بكل ما يلزم لايقاف اتفاق اوسلو الذي تم التوقيع عليه بين الاسرائيليين والفلسطينيين برعاية اميركية.

اليوم، يبدو ان شبح رابين يلاحق نتنياهو، فالوضع الداخلي في اسرائيل في اسوأ حالاته، على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها الأوّل للابقاء على الدعم الشعبي له، فيما يعجز عن ابقاء الخلافات داخل حكومته تحت السيطرة. ولعل الخلاف العلني بينه وبين وزير الدفاع يوآف غالانت خير دليل على تفلّت الاوضاع في الحكومة، ناهيك عن التهديد الدائم لوزير الامن ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالخروج من الحكومة في حال ابرام اي تسوية او اتفاق مع الفلسطينيين ولو برعاية اميركية ودولية. ضربة الحكومة تختلف بشكل جذري عن ضربة انفراط عقد حكومة الطوارئ التي كان انشأها نتنياهو مباشرة بعد عملية "طوفان الاقصى"، لانها تضعه في موقف بالغ الحرج امام الداخل والخارج على حد سواء، ويصبح رأسه مطلوباً من المتشددين والمعارضين على حد سواء.

وفي عودة الى شبح رابين، فالخوف الذي يعاني منه نتيناهو يتأتى في غالبيته من الشارع الاسرائيلي اكثر منه من ايران وحماس وحزب الله، وليس من المستبعد ان يلقى نفس مصير رابين في ظل الغضب العارم الذي يختلج في صدور اهالي الاسرى الاسرائيليين لدى حماس، والذين يتهمونه يوماً بعد يوم بأنه المسؤول عن تقريب اولادهم من الموت عبر عرقلة مساعي الافراج عنهم، وقد اقاموا بالفعل التظاهرات وقطعوا الطرقات وطوقوا منزله اكثر من مرة للتعبير عن غضبهم، فهل من المستبعد ان يعمد احدهم الى اغتياله في وقت ما اذا ما فشلت التسوية ولم يعد احد من الاسرى على قيد الحياة؟ وفي المقابل، من يضمن عدم ظهور ايغال عامير آخر قد يكون اكثر تشدداً، ويعتبر ان ابرام تسوية او اتفاق مع حماس هو "خطيئة" لا تغتفر، بتجييش من امثال بن غفير وسموتريتش، فيتم استبدال اسم رابين باسم نتنياهو؟.

حتى الآن يبدو هذا السيناريو مستبعداً قليلاً، ليس لعدم نضوج كل الظروف المؤدية الى امكان تحقيقه، بل بسبب التدابير الامنية المتخذة حول نتنياهو بفعل الحرب على غزة والتهديدات الاخيرة من ايران وحزب الله بتوجيه ضربة قاسية لاسرائيل، ما ادى الى "اخفاء" نتنياهو والوزراء في ملاجئ حصينة بعيداً عن اعين الناس، وبالتالي بات من الصعوبة جداً استهدافه. إضافة الى ذلك، لن يشكل اغتيال نتنياهو (اذا ما حصل) عقبة امام الدول للتعاطي مع خليفته الذي من المتوقع ان يتم تعيينه بشكل سريع جداً، وان يحظى بالدعم الداخلي والخارجي المطلوبين لاعادة الامور الى وضع "المقبول"، اي ما كانت عليه قبل تشرين الاول من العام الفائت. بمعنى آخر، يجد نتنياهو نفسه اليوم امام وضع اكثر صعوبة مما كان عليه، لان قلقه على انتهاء حياته السياسية، بات يضاهيه قلقه على حياته الجسدية، وهو امر لم يعد مجرد فرضية. فهل سيتمكن رابين من الانتقام، ام سيجد نتنياهو نفسه امام طوف نجاة سيرمى له في اللحظات الاخيرة لانقاذه من مصير مشؤوم يلوح في الافق؟ علماً ان كل المؤشرات توحي بأن مستقبله السياسي قد انتهى فعلياً بانتظار الاعلان عن هذا الامر بشكل رسمي فور انتهاء الحرب على غزة.