بعد الانفجار الكارثي الذي هز مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وأحدث دمارًا واسعًا، بدأت جهود إعادة الإعمار والتعافي بشق طريقها وسط تحديات متعددة وضغوط داخلية وخارجية. ومع مرور الوقت، ظهرت العديد من العقبات التي جعلت من عملية إعادة الإعمار تحديًا حقيقيًّا أمام الإدارة اللبنانية.

استعادة العافية

أشار المدير العام لمرفأ بيروت ورئيس مجلس إدارته، عمر عيتاني، إلى أن الانفجار تسبب في تضرر رافعتين فقط من أصل 16، وهو ما ساعد على استعادة المرفأ لعافيته بسرعة. هذا الأمر منع وقوع كارثة اقتصادية وأمنية في لبنان الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، خاصة في مجالات الأدوية والمواد الغذائية، ما جنّب البلاد أزمة غذائية واجتماعية حادّة.

على الرغم من هذا النجاح، لم يكن الطريق ممهّدًا وسلسًا، فقد واجه المرفأ حملة تشويه إعلامية قادها البنك الدولي، الذي رفض مشروع إعادة الإعمار كما سعى إلى تغيير هوية المرفأ، الأمر الذي كان سيضرب كل المعايير والقيم التي تسير عليها الدولة اللبنانية.

مخطط محاربة المرفأ

عقب تسلم عيتاني لمهامه بثلاثة أيام، شهد المرفأ إضرابًا منظمًا تخلله تكسير للرافعات وإغلاق المرفأ لمدة ثلاثة أيام، ما أدى إلى تحويل السفن لتفريغ حمولتها في طرابلس. هذه الأحداث جاءت ضمن ضغوطات داخلية وخارجية تهدف إلى تدمير المرفأ وبيعه بثمن بخس. وفي مواجهة هذه التحديات، اتخذت إدارة المرفأ قرارات جريئة بتحصيل الرسوم بالدولار الفريش بنسبة 10% مقابل 90% لولار، وهي خطوة قوبلت بالرفض والتهديد برفع دعوى قضائية. إلا أن عيتاني تمسك بقراره لمواجهة الأزمة وإنقاذ المرفأ من الدمار.

مزايدة بيع خردة مرفأ بيروت

لم يغب انفجار مرفأ بيروت عن البال، وقد جرى الحديث عنه مجددًا من خلال ورشة إزالة مخلفات الانفجار من معادن وخردة وبيعها. وفقًا لعيتاني، سلكت المناقصة جميع المسارات العلمية والتقنية المطلوبة ووفق القوانين اللبنانية مرعية الإجراء. وقد أُطلقت المزايدة للمرة الأولى في آب 2023، إلا أن بعض التعديلات المطلوبة أدت إلى التمديد. بالإضافة إلى ذلك، انتظرت الإدارة تقريرًا من الفرنسيين حول حجم الخردة، وهو ما استغرق سنة ونصف. وكان من ضمن الشروط ضرورة خلو الخردة من أي مواد إشعاعية، ما تطلب إجراءات وفحوصات إضافية.

مشروع إعادة الإعمار

أوضح عيتاني أن مرفأ بيروت وقّع اتفاقية تعاون مع مرفأ مارسيليا الفرنسي، الذي قدم خبراء وخبرات للمساهمة في وضع خطة إعادة الإعمار. هذه الخطة تشمل إنشاء منطقة سياحية وتجارية، وإصلاح الأرصفة، وتعميق الأحواض، وإنشاء محطة شمسية على مساحة 50 ألف متر مربع. تُقدر تكلفة المشروع ما بين 80 و120 مليون دولار، وستمول من إيرادات مرفأ بيروت.

مؤشرات إيجابية

رغم الصعوبات، حقّق مرفأ بيروت نتائج مذهلة العام الماضي (2023)، حيث استقبل 900 ألف حاوية نمطية، وهو رقم يقترب من الرقم القياسي المحقق في 2018. وأكد عيتاني أن المرفأ في حالة جهوزية تامة لمواكبة أي خطوط نقل جديدة ستظهر في المنطقة.

ختامًا، يظل مرفأ بيروت رمزًا للصمود والتحدي في وجه الأزمات، وهو يشهد اليوم جهودًا مكثفة لإعادة إعماره وتطويره ليظل أحد أهم المرافئ في المنطقة. ومع تطلع لبنان لمستقبل أفضل، يظل الأمل معقودًا على تجاوز هذه التحديات وتحقيق النمو والازدهار.