على الرغم من دقة المرحلة التي تمر بها البلاد، حيث يجد لبنان نفسه أمام خيارين: حرب شاملة على مستوى المنطقة سيكون ساحة أساسيّة من ساحاتها، أو تسوية كبرى يكون ورقة من ضمن أوراقها المتعدّدة. إلا أنّ البعض يجد الوقت لـ"التسلية"، لا سيّما على مستوى الإستحقاق الرئاسي، عبر طرح مجموعة من الخيارات التي لا ترتقي إلى حجم الأزمة.

على مدى الأشهر الماضية، كان هناك من يظن أن التطورات في المنطقة ستدفع اللبنانيين إلى البحث عن تسوية رئاسيّة، على قاعدة الحاجة إلى لملمة الأوضاع الداخلية، خوفاً من التداعيات التي قد تنجم عن أيّ تسوية من الممكن أن تطرح على طاولة البحث، بعد أن كان الجميع يسلّم بعدم إمكانيّة خروج الأمور العسكريّة عن السيطرة، وإنطلاقاً من ذلك طرحت مجموعة من المبادرات التي لم يكتب لأيّ منها النجاح، لأنّ الأساس، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، لم يكن الرغبة في الوصول إلى حلّ، بل مجرد تسجيل النقاط أو إثبات الحضور لا أكثر.

وفي حين بات الجميع يسلّم أنّ التسوية المنتظرة، بالنسبة إلى الإستحقاق الرئاسي، لن تكون قبل وضوح الصورة التي ستكون عليها المنطقة في المرحلة المقبلة، أيّ بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، تشير المصادر نفسها إلى أنّ هناك على ما يبدو من يريد الإستمرار في النهج نفسه، كالحديث المستجدّ عن طرح، سيتم تقديمه من قبل "مستقلين"، لإنتخاب رئيس يتولى التفاوض عن "حزب الله"، بهدف تخفيف الأعباء عنه.

وتسخر هذه المصادر من المبدأ الذي ينطلق منه هذا الطرح، حيث تسأل عن الأسباب التي تدفع "حزب الله" لأن يشعر بأيّ أعباء تفاوضيّة في المرحلة الحالية، خصوصاً أن من تولى التفاوض السياسي هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يعتبره الحزب من الشخصيات الموثوقة لديه، وبالتالي لن يكون من المنطقي توقّع أن يقدم أي تنازل لانتخاب أي شخصية تتولى هذه المهمة، إلا إذا كانت رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الأمر الذي تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانيّة أن يوافق عليه الفريق الآخر.

إنطلاقاً من ذلك، تلفت المصادر المتابعة إلى الرسالة غير المباشرة التي كان قد توجه بها بري قبل أيام، من خلال إشارته إلى أنّ "البعض يُضيّع وقته والفرص اذا كان يعوّل على أن تفضي المعركة الحاليّة إلى اضعاف حزب الله وحركة أمل"، حيث تؤكّد أنّ هذا الكلام لا يأتي من فراغ، خصوصاً أنّ التصعيد الإسرائيلي، في الفترة الماضية، كان قد ترافق مع إرتفاع منسوب الخطاب الطائفي على الساحة المحلية، في حين تقفل أبواب الحوار أمام أي طرح جدي على المستوى الداخلي.

وتشير المصادر نفسها إلى أنّه قد يكون من المستغرب، من الناحية العمليّة، غياب قوى المعارضة بشكل واضح عن المشهد الحالي، بإستثناء الإكتفاء بتكرار مواقف لا تقدم أو تؤخر، بعد لقائها الوفد الأميركي عاموس هوكشتاين أمس، مع العلم أنه في بعض الأوساط حديث عن أن البعض في هذه القوى بات يراهن على إمكانية عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ويتمنى عدم حصول أيّ تسوية قبل ذلك، خوفاً من أن يقود ذلك الإدارة الأميركية إلى تقديم تنازلات سياسية لـ"حزب الله"، حيث هناك من يؤكد أن أصل هذا اللقاء رغبة أميركية بضغوط داخليّة على الحزب.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أنّ الملف الرئاسي، على الأقل حتى الآن، غير مطروح بشكل جدّي على طاولة البحث، وبالتالي كل الطروحات، التي تظهر بين الحين والآخر، هي مجرد خُزعبلات لن تقود إلى أيّ نتيجة، حيث أنّ الأساس يبقى الوصول إلى تسوية تنهي العدوان الإسرائيلي على غزّة والجنوب، لا سيما أنّ إستمرار هذا العدوان يحمل معه مخاطر الوصول إلى حرب شاملة على مستوى المنطقة، وتضيف: "بعد ذلك يمكن الحديث عن الإستحقاق الرئاسي، الذي من المؤكد أنه سيتأثر بالتسوية الشاملة قبل أي أمر آخر".