على الرغم من وجود شبه إجماع في الأوساط السياسية على أن الزيارة التي قام بها المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، أول من أمس، لم تحمل معها أي جديد يمكن البناء عليه، خصوصاً أنها جاءت قبل جولة التفاوض التي عقدت، أمس، في العاصمة القطرية الدوحة، إلا أنّ المفاجأة كانت بسعي قوى المعارضة إلى الترويج لأهميّة اللقاء مع وفد منها في هذه اللحظة المفصليّة.

داخل أوساط قوى المعارضة، حديث عن أن هذا اللقاء، الذي جاء بطلب من الجانب اللبناني، يؤكّد أن صوتها لا يزال مسموعاً على المستوى الدولي، وبالتالي لوجهة نظرها أهمية كبرى، في ظلّ المخاطر التي تتهدد البلاد، نتيجة تلك الناجمة عن إحتمال توسع رقعة الصراع، بعد التوتر الذي كانت قد شهدته الأسابيع الماضية، تحديداً بعد عملية إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة، في العاصمة الإيرانية طهران، وتلك التي أدّت إلى إغتيال القيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت.

هذا اللقاء، الذي يعتبر الثاني من ضمن جولة الزيارات التي قام بها هوكشتاين إلى بيروت منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وجنوب لبنان، يدفع إلى السؤال عن أسبابه، وأبعد من ذلك، عما لدى تلك القوى لتقدمه إلى المبعوث الأميركي في هذه اللحظة، لا سيما أن الجميع يدرك أنّها لا تملك القدرة على التقرير في أيّ مسألة متعلقة بالملف الأساسي المطروح على بساط البحث، أيّ الأوضاع على الجبهة الجنوبيّة، وبالتالي فيما لو لم يحصل لن يكون لذلك أيّ تأثير على الأحداث.

في هذا السياق، خرجت بعض هذه القوى بعد هذا اللقاء، لتعيد تكرار مواقفها السابقة، سواء بالنسبة إلى القرار 1701 أو دور "حزب الله" في هذه الجبهة أو باقي الأمور المعروفة جيداً، لكن من الناحية العملية هي لم تستطع، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أن تحدث أي تغيير في المعادلة، لا سيما بالنسبة إلى مشاركة "حزب الله" في الحرب، وليس من المتوقع أن يكون لها هذا الدور في المرحلة المقبلة، في حين هي كانت تخشى، في الفترة الماضية، حصول تسوية سياسية مع الحزب على حسابها.

بناء على ذلك، تلفت مصادر نيابيّة في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى أنّ هوكشتاين نفسه يدرك أنّ مثل هذا اللقاء لا قيمة له، لا بل حتى الزيارة نفسها، من ناحية توقيتها، لم يكن لها أيّ تأثير، نظراً إلى أنّ الأساس هو ما سيحصل في جولة المفاوضات في الدوحة، على إعتبار أن العامل المؤثر هناك، نظراً إلى أنّ الأوضاع في حال الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، لن تكون هي نفسها فيما لو لم يحصل مثل هذا الإتفاق.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ الأمور، على مدى الأشهر الماضية، كانت واضحة، لا وقف للعمليّات العسكريّة في الجنوب قبل الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وبالتالي ليس هناك من داعٍ لأيّ مفاوضات مع الجانب اللبناني، في حال لم يتمّ التوصل إلى إتفاق مع حركة "حماس"، وهو ما كان قد تم تثبيته بالرغم من كل الضغوطات والتهديدات التي سعى البعض، لا سيما الجانب الأميركي، إلى إرسالها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أنّ قوى المعارضة تستطيع أن "تسكر" بالإجتماع مع المبعوث الرئاسي الأميركي، بعد أن كانت تشعر بأنها "مهمّشة" من قبل حلفائها الخارجيين، لكن على أرض الواقع هي لا تستطيع أن تحدث أيّ تغيير في المعادلة، حتّى ولو كان المطلوب منها تكرار مواقفها بصوت أعلى في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك غالبية شعبية ونيابية في مكان آخر.