اعتاد اللبنانيون على زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين الى بيروت قبل كل جولة تفاوض بين الاسرائيلي وحركة حماس في بلد من بلدان الوساطات، فالرجل لم يعد لديه ما يقدمه على صعيد إيجاد الحلول لوقف الحرب، وكل ما يمكنه فعله اليوم هو طلب تخفيض حدّة الصراع، ولو أنه يُدرك سلفاً أنّ الكرة بملعب رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو.
كان يفضل رئيس المجلس النيابي نبيه بري لو أنّ هوكستين أجّل زيارته الى ما بعد نضوج فكرة الحلّ في غزة، على اعتبار أن لبنان ليس لديه أيّ جديد، فهو سبق أن أكد أن الهدوء على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة متعلق بشكل أساسي بوقف الحرب على غزة، ولكن بحسب مصادر سياسية مطلعة فإن زيارة هوكستين الى لبنان تأتي في سياق الحملة الدبلوماسية الواسعة التي تقوم بها أميركا في المنطقة لمنع اندلاع الحرب الكبرى، علماً أن الاميركيين باتوا يطلبون من اعداء اسرائيل عدم تقديم الذرائع لنتانياهو الراغب بجر المنطقة بأكملها الى الحرب، مشيرة عبر "النشرة" الى أن إدارة بايدن لم تعد قادرة حتى على الحصول على ضمانات من نتانياهو بخصوص تحركاته المقبلة.
في الزيارات الاميركية الى المنطقة محاولة أساسية للحصول على ضمانات من كل أطراف الصراع، حتى أن الإدارة عقدت لقاءات مع الإيرانيين بعد عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران، والهدف كان الحصول على أجوبة وضمانات حول طبيعة الرد، وبحسب المصادر فإن الاميركيين تمكنوا من الحصول على ضمانة إيرانيّة ألاّ يحصل الرد قبل جولة التفاوض التي انطلقت الخميس، وهو ما حصل، لكنها لم تتمكن من الحصول على ضمانات بشأن الخطوات اللاحقة بحال فشلت عملية التفاوض.
أما في لبنان فتكشف المصادر أن الأميركيين حاولوا الاستفسار عن موقف حزب الله، وسألوا الأسئلة التالية: ما هي طبيعة الرد المتوقع على اغتيال القيادي فؤاد شكر، وماذا سيفعل الحزب بحال رد على اسرائيل وردّت هي على الضربة، فهل يصعد أم يخفّض، ما هو موقف الحزب بحال فشلت المفاوضات بالوصول الى وقف لاطلاق النار ولكن انتقل نتانياهو الى المرحلة الثالثة من الحرب وهي التي تتضمن تخفيضاً للعمليات العسكرية وتصعيداً بالعمليات الأمنية؟.
لم يجد الأميركيون أيّ جواب حول هذه الأسئلة في لبنان، لذلك اكتفى هوكستين بتوجيه النصائح، ولكن المساعي الأميركية فشلت أيضاً في اسرائيل فهي لم تتمكن من الحصول على اجوبة وضمانات من نتانياهو على الأسئلة التالية: كيف ستتصرف اسرائيل بحال تلقت ضربة من إيران أو من حزب الله؟ هل سترد بأقسى منها أم أدنى أم أنها لن ترد، وبالتالي لم يتمكن الأميركيون بحسب المصادر من الوصول الى إجابات كافية لرسم المشهد المقبل بالمنطقة، ومن هنا يأتي قلقهم من أن يتحول الصراع الى حرب إقليميّة، لأنّ نتانياهو بات يجد الوسائل للتهرب من "القبضة" الأميركية.
هنا يهمّ المصادر التأكيد أنّ علاقة الأميركيين بإسرائيل تختلف عن علاقة إدارة بايدن بهم، فالإدارة ليست كل أميركا، خاصة على أبواب الانتخابات الرئاسية وهذا ما يدركه نتانياهو جيداً ويعمل وفقه.
إن كل هذه الوقائع تجعل المحور أمام ظروف صعبة ومعقدة، فمن جهة هو لا يُريد الحرب الاقليمية، ومن جهة يعلم أن أي حرب واسعة لن تكون مع اسرائيل وحسب بل مع الأميركيين وبعض الدول الاوروبيّة الكبرى، وبنفس الوقت لا يمكنه الصمت أمام استمرار العدوان على غزة، لذلك هل يتحرك المحور فيكون لنتانياهو فرصة لتوسيع الحرب، أم يقطع عليه الطريق باعتماد تأخير الردود العسكرية؟!.