مِن حَفنَةِ صُخورٍ عَلَت فَتَعالَت، وَنَثَرَت روحاً فَتَماهَت لا مَعَ الخَلقِ والخَليقَةِ فَحَسبَ بَل مَعَ كِبَرِ الخالِقِ. بِوَجهِ قَبائِحَ العالَمِ الأمرَدِ وَهَواجِسَ اليَباسِ المؤتَزِرِ بالصَحارى، وَبِشُكوكِ القَلقِ الناهَدِ مَنَ القَعرِ الى طُمأنينَةٍ.
أَمأزِقٌ هي أم طَريقٌ؟ بَل إرتِقاءٌ مِن كِلَيهِما إذ يَتهيا عَن بَوحِ الحَياةِ. لا هي مَكتوماتٌ تَضمَحِلُّ بالغَيبِيَّاتِ كَجِبالِ الفَلسَفاتِ الهِندوسِيَّةِ والبراهمانِيَّةِ والكونفوشُسِيَّةِ والزَرادَشتِيَّةِ والبوذِيَّةِ وَجَريراتِها، وَلا عَلَنِيَّاتٍ قَدَرُها الخَيباتُ كَذاكَ الأُولِمبُ الإغريقِيُّ وَسُلاَّنِهِ، وَلا إستِحضاراتُ تِلالٍ لِخُلوصِ مُنكَسِراتٍ كَذاكَ الذي إختارَهُ موسى مُملِياً على الباريَ نَواهِدَ تَطَلُّعاتِهِ.
أمُطلَقٌ مُتَخَشِّعٌ هي؟ بَل لِلمُتَخَشِّع ِبَواكيرَ قُربانِيَّةٍ. لِلأنفُسِ سَعيٌ. لِلجُهدِ عُبورٌ. لِلأزمِنَةِ مَوعِدٌ. قُل: هي تِهليلُ إستِحضارِ الكَينونَةِ لِمَعِيَّةِ الدُهورِ. لَولاها لَما كانَ شَرقٌ مَعَ غَربٍ، ولا شَمالٌ مَعَ جَنوبٍ. لَما كانَ أحَدٌ مَعَ أحَدٍ. لَولاها لَفَرِغَ أيُّ شَيءٍ مِن كُلِّ شَيءٍ.
أهُدىً هي؟ بَل طاقَةُ العَلاماتِ الآتِيَةِ مِن فوقٍ، بَينَ الدَهشَةِ والحَنينِ الى الرؤيا. بَل نُضوجٌ لِرؤيا في البَدءِ إستِهلالُها وإلى الأَزَلِ إكتِمالُها.
لأَجلِ مُنطَلَقِها هَذا الرافِعَ الأرضَ الخَليقَةَ الى سَماءِ الخالِقِ، أَعلاها إيلُ، الإلَهُ الأبُ في الثالوثِيَّةِ الأُلوهِيَّةِ الُلبنانِيَّةِ (الأَبُ والأُمُّ والإِبنُ) عُصارَةَ سُطوعٍ لا إنشِطارَ فيها كَما في فَلسَفاتِ آسيا الأقصى، وَلا إنكِسارَ كَما في اساطيرَ الغَربِ المُدلَهِمِّ بِبَشَرٍ تَألَّهوا فَإستَفرَدوا بالعُنفِ مَقاصِدَ نُظُمٍ، ولا تيهَ كَما في زَوَغانِ الشَرقِ التَعيسِ مِن بَشَرٍ تألَّهوا فَإستَطابوا بالعُنفِ تَرَحاً مُستَغيثاً بِشَتاتِ التَرَفُّعِ.
لِأَجلِ مَراميها المُنبَسِطَةِ في جودِ السَماءِ، قَرَّبها إيلُ وجوداً-عُربوناً، أبعَدَ مِن دُعاءٍ وَأخَصَّ مِن فَضاءٍ. مُختارَةٌ لِبَرَكَةٍ هي. تَقدِمَةٌ لا تَقاسُمَ فيها. خاصِيَّةٌ تَعلوها حُقولُهُ: حُقولُ إيلَ حَيثُ تَهتَدي وَتَلتَقي الأَنفُسُ الطاهِرَةُ في مَلَكوتِ الحَياةِ. في ذاكَ العِناقَ بَينَها والسَماءَ، أبَدِيَّةُ الحَياةِ. حِنطَةٌ تَكبُرُ سَنابِلَ وَتَنمو مَذَابِحَ. وَلا إلَّاها.
تِلكَ جِبالُ لبنانَ، قِمَمٌ جَرداءُ تُوِزِّعُ البَراءَةَ الأولى على مَن بِالفراغِ يُهَشِّمُ الملءَ لِيوغِلَ بالفَناءِ. يا لِتَبادُعِها!.
بُرهانُ النِعمَةِ
أقُلتُ هي التَبادُعُ؟
ألَيسَ مِنها بَوحُ القِياماتِ وَفَوحُها؟ تَطَلَّع إلَيها، مِن أقصى شَمالِ لبنانَ الى مَرامي جَنوبِهِ، ألَيسَت مُرَصَّعَةً بِتَعانُقِ مَحابِسَ قِدِّيسينَ، وَمَآذِنَ أبدالٍ، وَحُسَينِيَّاتٍ أبرارٍ، وَخَلواتِ بَني حِكمَةٍ؟ بالتَخَشُّعِ، بالزُهدِ، بالتَضامُنِ مَعَ المَقهورينَ. وَإِعتَرِف: أجَل! لا إلَّاها في تَبادُعِها بُرهانُ النِعمَةِ. نِعمَةِ الغَلَبَةِ. وَأَيُّها؟ تِلكَ التَوكيدُ أن لا نِهايَةَ لِأبَدِيَّتِها... وَهي تَكريسُها.
جِبالُ لبنانَ! ضَميرُ الوجودِ المُستَعِرِ بالإيمانِ، بِحَقيقَةِ الرُكونِ، بإستِطلاعِ الجَوابِ عَنهُما. بإمتِلاكِ حُكمِهِما. مِن بَدءِ الوَعي الى تاريخانِيَّةِ الوجودِ.
حَفنَةٌ؟ يا لِصَلابَةِ قُوَّتِها. في تَوكيدِ ذاتِها. في مَيادينَ حاضِرِها. في سامِيَّةِ مُجابَهَتِها المُستَقبَلاتِ!
مِنها تِلكَ الصَلابَةُ-النِعمَةُ إندِحارُ التُرَّهَةِ الموسَوِيَّةِ بِعَدَمِ الإيمانِ بِالآخِرَةِ، والأَوهامِ الإغريقِيَّةِ والفِرعَونِيَّةِ والبابِلِيَّةِ بِخَلاصِ مُلوكِ التَألُّهِ وَحدَهُمُ، وَهُزالاتِ الفَلسَفاتِ الشَرقَ-آسيَوِيَّةِ بالتَغَلُّبِ على الألَمِ بالأَلَمِ... وإِخْتِبالِ العَصرَنَةِ الضارِبَةِ الخَليقَةَ بالخالِقِ لإلغائِهِما بِبَعضِهِما البَعضِ.
وَمِنها الجَوابُ-البُرهانُ على تَساؤلِ الخَليقَةِ مُذ كانَت: هَلِ العالَمُ مُستَقِرٌّ أم مُتَغَيِّرٌ؟ إذ هي دَيمومَةُ الوِحدَةِ غَيرَ المُتَجَزِّئَةِ، الصاعِدَةِ مِنَ الأعماقِ الى الأعلى ‒ألَيسَ بِجِوارِ كُلِّ جَبَلٍ مِن جِبالِ لبنانَ، وادٍ أيّ جَبَلٍ مَعكوسٍ؟‒، المُستَقِرَّةِ في غائِيَّةِ الوجودِ وَغائِيَّةِ الخُلودِ. في غائِيَّةِ المُقَدَّسِ.
الوَيلُ، الوَيلُ، لِمَن يُحَوِّلُها، مِن بَواطِنِها، ماهِيَّاتَ مَوتٍ. مُحاذاةَ إهلاكٍ. إثمَ دَمارٍ!.