لا شك ان الهزات والزلازل هي جزء من كوارث الطبيعة التي تضرب البشر والحجر، وتتسبب بالتالي في اثارة الهلع والخوف والقلق لدى الناس في مختلف البلدان والمناطق. واذا كان من المشروع القلق من هذه الكوارث الطبيعية، فإنه من غير المسموح ومن غير المنطقي ومن غير الانساني ان يعيش بعض الخبثاء على "الوسواس" الذي يعيشه البعض جراء هذه الكوارث. ولكي لا نبتعد كثيراً يأتينا في لبنان من اصبح يترصّد اخبار الهزات والزلازل، والاخطر ان هذا الترّصد يشمل ما "يتنبأ" به بعض منتحلي صفات الخبراء من امثال الهولندي فرانك هوغربيتس الّذي نصّبه عدد من اللبنانيين وغير اللبنانيين "مرجعاً" في استباق الهزات والزلازل وتحديد اماكنها قبل ان تضرب! وعلى الرغم من خروج الكثيرين في لبنان والعالم اجمع من العلماء الحقيقيين والخبراء الموثوق بكفاءتهم وشهاداتهم، للتأكيد على انّ ما يقوله هذا الشخص لا يخرج عن سياق التوقعات، تصرّ غالبية موسوسة على تصديقه ومتابعة اخباره.
الاسف الاكبر يكمن في ان العديد من وسائل الاعلام اللبنانية والاقليميّة تحديداً، تلعب دور "الراعي الرسمي" لهذا الشخص، فتبرز ما يقوله وتتصدّر مقابلاته عناوينها ورسائلها التي تحرص على ايصلها الى اكبر عدد ممكن من الناس، فتكون هذه الوسائل، قد اعلنت صراحة تفضيلها الربح المادي على الموضوعية ونشر الوعي والمنطق والعلم في المجتمع الّذي لم يكن يعبأ بما يقوله هوغربيتس قبل زلزال تركيا المدمّر العام الفائت، فكان يكتب ويغرّد ويبحّ صوته، ولم يسمعه سوى قلّة من الناس، الى ان تحوّل بين ليلة وضحاها الى "إله" الهزات والزلازل والفلك، وتروّج له بعض وسائل الاعلام مهما قال او فعل، وهذا الامر اضاف علّة دائمة الى المصابين بالقلق والخوف على انفسهم وعلى احبائهم من ضربات الطبيعة. وللتعاطي مع هذا الامر وجهتان:
الاولى دينيّة، وتقول بأنّه لا يمكن السيطرة ولا تغيير واقع الهزات والزلازل، يجب ان نسلّم انفسنا واحباءنا الى الله، فهو الادرى بمصلحتنا، وانه ما علينا سوى الصلاة واتخاذ الاجراءات المتّبعة حين تقع الواقعة. فيكون الله هو الاله الحقيقي وليس هوغربيتس ومن يشبهه.
الثانية منطقية للذين لا يقدرون تسليم ذاتهم الى الله، او من لا يؤمن بالله، او من يملك معتقداته الخاصة، عندها يجب اللجوء الى المنطق الّذي يقول صراحة انه:
اولاً لا يجب الثقة بهوغربيتس واتباعه في ما خص تنبؤاتهم لاسباب رئيسة ومنها على سبيل المثال: لا صفة رسميّة لهذا الهولندي، وحتى وسائل الاعلام التي تروّج له تحتار في توصيفه فتارة هو عالم الزلازل، وتارة اخرى هو مراقب النجوم، وتارة هو راصد الزلازل، والصفة الارفع هو الخبير... فإذا لم يتم الاتفاق على صفة له، فهذا يعني انه لا يمكن الركون اليه علمياً.
ثانياً، هل تفضلت هذه الوسائل وألقت الضوء والاهميّة على مئات المرّات التي تنبأ بها هوغربيتس وغيره ولم يحصل شيئاً؟ أكان من ناحية التواريخ او من ناحية المكان الجغرافي؟ ولماذا الاصرار على ابراز المرات النادرة جداً التي يصيب فيها (بعد توقعات متكررة) وتسويقها؟.
واذا سلّمنا جدلاً ان هذا "الخبير والعالم" الشهير قادر بالفعل على تحقيق ما يقول، فما الذي يجب علينا القيام به حين حذرنا من انه يجب ان نحتاط ونأخذ حذرنا؟ هل نترك المنازل والابنية وحياتنا اليومية ونعيش في العراء لفترة غير محدّدة او خلال الفترة التي يرتئيها؟ كل ما يمكن القيام به هو ما يتم اعلانه من اجراءات واجب اتباعها واوّلها كان الاصرار على بناء ابنية مقاومة للهزات والزلازل تحت اشراف الدولة ونقابات المهندسين، وفي غياب هذا الامر (كما هو الحال للاسف في لبنان وسوريا وغيرهما من البلدان)، فكل ما يمكن القيام به هو عدم الهلع حين حصول الهزّة والاختباء تحت طاولة او تحت اساسات المنزل تجنباً للاصابة بأغراض قد تقع، او الخروج من المنزل فور انتهاء الهزة اذا ما ظهرت تشققات او انهيارات في الجدران. هذا ما يقوله المنطق.
اذاً، في الحالتين، لا وجود للتنبؤات ولا مكان للهلع والخوف والوسواس الذي يصيب الناس بالامراض الجسدية والنفسية ويؤثر على من حولهم، فالاجراءات المتّبعة هي القاسم المشترك، ولنعد جميعاً الى ما كنا عليه قبل زلزال تركيا، لانّ الوضع تحت الارض كان وهو على حاله وسيبقى سواء اصابنا الهلع ام لا، ولم نكن نفكّر بما تحتنا قبل اكثر من سنة، والاهم الاهم ان يخفف بعض وسائل الاعلام من التسبب في زيادة الخوف عند الناس وعدم مواكبة الخبراء الكاذبين الخبثاء الّذين يظهرون على انهم يرغبون في مساعدة الناس بينما في الواقع يعمدون الى اذيتهم.
قد لا يلقى هذا الكلام آذاناً صاغية، ولكنه على الاقل قد يشكّل وقفة للتأمل والتفكير...