يُعاني الشارع السني في الأشهر الماضية من غياب المرجعيّة التي كان يمثلها تيار المستقبل ورئيسه، من الشهيد رفيق الحريري الى نجله سعد الحريري، لأنّ أحداً لم يستطع أن يملأ فراغ التيار الذي كان مسيطراً على الحياة السياسية السنّية رغم محاولات كثيرة خاضها قياديون سابقون في التيار، أو رؤساء حكومات سابقون، أو حتى سياسيون ظنّوا أن بإمكانهم تقاسم الشارع السني بعد غياب الضابط الرئيسي له.
منذ تاريخ إنسحاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من الحياة السياسية، كان من الواضح أن حزب "القوات اللبنانية" يسعى إلى محاولة الإستثمار في الساحة السنّية، وهو ما دفعه إلى نسج مروحة واسعة من التفاهمات داخلها، في الإنتخابات النيابية الماضية، لكنه من الناحية العملية لم ينجح في إحداث الخرق الكبير، ولو أنّ الندوة البرلمانية ضمّت وجوهاً سنية تُعتبر قريبة أو حليفة للقوات اللبنانية.
في هذا السياق، قد يكون الواقع، بعد عمليّة "طوفان الأقصى" في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، أكبر دليل على فشل حزب القوات بالاستثمار في الساحة السنية، حيث وجدت الساحة نفسها أقرب إلى محور المقاومة الذي يُدافع عن الفلسطينيين في غزة، وهنا نتحدث عن قوى سنّية سياسية قريبة من الخط السياسي والتوجه الديني لحركة حماس، ونتحدث أيضاً عن قوى سنّية شعبية أيضاً، الأمر الذي أدّى الى صدام بين العديد من الشخصيات السياسية والدينية السنية وحزب "القوات"، بالرغم من أنها كانت، منذ العام 2005، تعتبر الأقرب إليه.
في هذا المجال، قد يكون من المفيد الإشارة إلى حادثتين، وقعتا في الأيام الماضية، تُظهرا حجم التراجع التي تعيشه القوات اللبنانية في الشارع السنّي، ففي الأولى نعود الى المواقف التي أدلت بها النائب عن "صيدا–جزين" غادة أيّوب، والتي أدّت إلى حملة إستنكار كبيرة في مدينة صيدا، ومن المعروف أن أصواتًا عديدة في هذه المدينة ساهمت بحصول القوات على المقاعد في تلك الدائرة، لذلك حاولت أيّوب إرضاء تلك القاعدة الشعبيّة ولم تنجح بذلك، علماً أن القوات تُدرك أن خسارتها في صيدا تعني عدم القدرة على إيصال أيّ نائب في تلك الدائرة، أما الحادثة الثانية فهي السجال الذي فتح، قبل أيام، مع النائب بلال الحشيمي، وهو ما يستحق التوقف عنده مطولاً، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك في المستقبل، خصوصاً بالنسبة إلى التحالفات التي من الممكن أن ينسجها الحزب، مع شخصيات سنية.
اللافت أن الحشيمي كان من المقرّبين للقوات، أو يمكن اعتباره حليفاً أساسياً لها، رغم ذلك لم يتمكن من السكوت والصمت أمام اتهام رئيس حزب القوات سمير جعجع للحكومة بالخيانة العظمى، وهو الأمر الذي أثار سخط وغضب الشارع السني.
كانت الردود على جعجع من قبل الشخصيّات المقربة من محور 8 آذار، لكن مع دخول الحشيمي على الخط نُدرك أن حتى حلفاء القوات من القوى السنية غير قادرة على مجاراة المواقف القواتيّة في السياسة، ومن الحرب على غزّة أيضاً.