عند إنفجار الأزمة الإقتصاديّة والمالية، في العام 2019، عمدت معظم القوى السياسية إلى الحديث عن أنّ البلاد، بعد وضع الخطط اللازمة، ستكون بحاجة إلى ما بين 3 و5 سنوات للخروج منها. أما اليوم، مع إقتراب إنتهاء العام الخامس، فيبدو أنّ هذه القوى لم تنجح إلا في تحويل الدولة إلى "متسوّلة"، تبحث عن الحصول على "عطاءات" من الدول الأخرى، لتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش لشعبها.

في هذا السياق، قد تكون أزمة الكهرباء التي برزت في نهاية الأسبوع الماضي، بالرغم من أنها تشبه قصة أبريق الزيت، هي الدليل الأحدث على هذا الواقع، حيث كانت "النجدة" من الحكومة الجزائريّة، التي قررت إرسال كمّيات من النفط بشكل فوري، بهدف إعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء، بعد أن كانت قد سبقتها إلى ذلك الحكومة العراقيّة. في حين كانت مؤسّسة الكهرباء قد عمدت، للمفارقة، إلى رفع التسعيرة، تحت عنوان العمل على تأمين زيادة التغذية بساعات إضافيّة، فبات المواطن يدفع ثمن رسوم مرتفعة، دون أن يحصل على الخدمة.

ما ينبغي التوقف عنده في هذا المجال، هو أنّ مختلف القوى السياسية، التي كان عليها العمل على معالجة هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات، سارعت بكل وقاحة إلى إصدار البيانات التي تشكر فيها حكومة الجزائر والرئيس عبد المجيد تبون (رغم أن هذا هو الحد الأدنى المطلوب)، وتثني على الخطوة التي قامت بها، كما يفعل عادة المتسوّل عندما يحصل على مساعدة من أيّ عابر سبيل. إلا أنّ الأكيد أنها لن تكون المرة الأخيرة التي تمدّ يدها فيها، فبعد فترة قصيرة ستعود إلى إنتظار "عطاء" جديد من دول أخرى، أو ربما إلى إعتبار أن هذا الأمر بات "واجباً" على الجزائر.

قد يظنّ البعض أنّ هذا الأمر يقتصر على أزمة الكهرباء، التي عجز "العقل" الرسمي اللبناني عن إيجاد حلّ لها، رغم الخطط الكثيرة التي قدّمت في هذا المجال، نظراً إلى أن تركيزه ينصبّ على "المناكفات"، التي تقوم على تحميل كل فريق الآخر مسؤوليّة الفشل، فيما تبقى النتيجة واحدة. لكن، في الحقيقة، هذا الأمر بات سلوكاً عاماً تعتمده الدولة اللبنانية على كافة المستويات، بعد أن عجزت كل الدعوات، التي وجّهت لها، في إقناعها بتطبيق أيّة إصلاحات، نظراً إلى أنّ جميع القوى السياسية لا تحتاج إلى تلك الدعوات، فالجميع يتبنّى شعارات الإصلاح، لكن المشكلة في الشعب الفاسد، الّذي لا يستحقّ هذه المجموعة من الإصلاحيين.

في هذا الإطار، من المفيد التذكير بأنّ القوى الأمنيّة والعسكريّة تعيش، منذ أشهر، على المساعدات التي تقدّم لها، لا سيما من الولايات المتحدة وقطر، ليس فقط لتأمين الوقود والمعدّات، بل أيضاً تقديمات ماليّة إلى العناصر والضباط، كي يكونوا قادرين على تأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة. والأمر نفسه ينطبق على القطاع التربوي، فالمدارس الرسمية تنتظر المساعدات التي تقدّم لها مقابل تأمين تعليم النازحين السوريين، أما المدارس الخاصة فإنّ لكل منها، رغم الأقساط المرتفعة التي تفرضها على الأهالي، تحصل على مساعدات من جهات خارجيّة.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن الإشارة إلى أنّ القروض، التي كان مصرف الإسكان قد أعلن إعادة العمل بها، هي عبارة عن قرض كان قد حصل عليه من الصندوق العربي للتنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة. والأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فحتى على المستوى الرياضي، ينتظر جمهور كرة القدم، ما ستؤول إليه المبادرة المصريّة، على صعيد تأهيل أرضيّة ملعب المدينة الرياضيّة.

سياسياً، يتسوّل لبنان، منذ إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون قبل نحو عامين، رئيساً جديداً للجمهورية. فالقوى المحلّية غير قادرة وحدها على إنتخاب رئيس، وتنتظر "التقاطعات" الإقليميّة والدوليّة على الإسم الذي يؤول له المنصب. وهو ما تدخل عليه، في كل يوم، تعقيدات إضافيّة، تدفع إلى ربط عمليّة الإنتخاب بمختلف الإستحقاقات التي تشهدها الدول الأخرى.

في المحصّلة، كان معظم المواطنين، قبل سنوات، يطرحون الكثير من الأسئلة، حول الأسباب التي تحول دون مبادرة الجهات الرسمية المعنيّة إلى معالجة ظاهرة التسوّل التي تجتاح الطرقات العامة. لكن اليوم باتت المشكلة أكبر، بعد أن تحوّلت الدولة إلى متسوّل بإسمهم، لا يستحي القائمون عليها من ذلك، لا بل يعتبرونه حقّاً لهم على باقي الدول.