على وقع التطورات المتسارعة على مستوى المنطقة، بين الجهود الهادفة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتصعيد العسكري المتسارع على أكثر من جبهة، مرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في الأسبوع الماضي، نموذجاً عما سيسعى إليه، في حال فوزه في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، من خلال الإشارة إلى أنّ إسرائيل "بقعة صغيرة على الخريطة في الشرق الأوسط الكبير"، لافتاً إلى أنّ هذا الأمر لطالما جعله يفكر في كيفيّة توسيع هذه البقعة.
بالنسبة إلى البعض، هذا الموقف قد يكون من باب المزايدة، في إطار الصراع الإنتخابي الداخلي، لكن العودة إلى بعض الإجراءات، التي كان قد قام بها ترامب خلال ولايته الماضية، تؤكد أن الأمر أبعد من ذلك، فهو سبق له الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيليّة على الجولان السوري المحتلّ، وكان الراعي الرسمي لإتفاقيات التطبيع التي حصلت بين تل أبيب وبعض الدول العربية.
وعلى الرغم من أنّ الإدارة الأميركية الحالية، برئاسة جو بايدن، لم تتأخر في توفير الدعم لنتانياهو في عدوانه على قطاع غزة وجنوب لبنان، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، على كافة المستويات، بات من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بسبب بعض الإختلافات في وجهات النظر مع القيادات الديمقراطية، حيث عمل، في أكثر من مناسبة، على إفشال جهودهم في الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار.
في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن نتانياهو، منذ عودته من زيارته إلى واشنطن، كان من الواضح أنه يسعى إلى التصعيد على كافة الجبهات، الأمر الذي يتماهى مع المواقف التي كان قد أطلقها في خطابه أمام الكونغرس، لا سيما لناحية الدعوة إلى تشكيل تحالف، تقوده الولايات المتحدة، لمواجهة إيران، وهو ما لا ينفصل، من الناحية العملية، عن الرهان على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، على إعتبار أن الحزب الديمقراطي لن يكون بهذا الوارد.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الإدارة الأميركية الحالية، التي تراهن على إمكانية الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، سعت إلى إحتواء الخطوات التي يقوم بها نتانياهو، من خلال تكثيف جهودها الدبلوماسيّة، لكنها تعمّدت، بحسب ما هو معلن، مراعاة مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأمر الذي لا يمكن أن تنجح به، لأنّ المحور المقابل لا يعتبر نفسه مهزوماً، كي يسلّم تل أبيب ما عجزت عن تحقيقه في الحرب، ما يصعب من مهمّتها إلى حدود كبيرة.
بعيداً عن المسار الذي من الممكن أن تسلكه المفاوضات الحالية، تظل المخاوف من أن يقود فشلها إلى إشعال المنطقة برمّتها، في ظلّ إنتظار ردي إيران على إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، و"حزب الله" على إغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر، بات من الضروري التنبّه إلى خطر عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ليشكل ثنائيّة خطرة على أوضاع المنطقة مع نتانياهو.
بالنسبة إلى مصادر فلسطينية متابعة، السلوك الإسرائيلي، معطوفاً على تصريحات ترامب حول مساحة إسرائيل، يؤكّد المخططات التي كانت قد برزت خلال العدوان على غزة، لناحية تهجير سكان القطاع إلى الجهة المصرية، التي كان من المفترض أن تكون مقدمة، فيما لو نجحت، لأخرى تتعلق بتهجير سكان الضفة الغربية نحو الأردن، وتسأل: "هل سعي نتانياهو إلى إستمرار الحرب، في ظلّ ما كشفه المرشح الرئاسي الجمهوري، هدفه العودة إلى هذه المخططات لاحقاً"؟.
لا تستبعد هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن يكون هذا هو التوجه، خصوصاً إذا ما فشلت الجهود الحالية في إنهاء العدوان الإسرائيلي، خصوصاً أن رؤية ترامب بالنسبة إلى الحل لا تتضمن الإعتراف بالدولة الفلسطينيّة أو السعي إلى حلّ الدولتين، بل تقوم على أساس دعم مشاريع التطبيع على مستوى المنطقة، وتشدّد على أن هناك مسؤولية كبرى على الدول العربية، لا سيما تلك التي ستكون مستهدفة من هذه السيناريوهات، كمصر والأردن.
في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ هذا الخطر يشمل أيضاً دولا عربية أخرى، منها لبنان، نظراً إلى أنّ هذه المخططات ستشمل أيضاً إلغاء حقّ عودة للاجئين، الأمر الذي كان إستهدفت وكالة "الأونروا" من اجله، من دون تجاهل إحتمال أن يقدم ترامب، ضمن خططه لتوسيع مساحة إسرائيل، إلى الإعتراف بسيادتها على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، كما فعل مع الجولان السوري المحتل، وتضيف: "هذا الواقع يؤكّد أهمية توفير عامل القوّة لمواجهة هذه المخطّطات، بعد أن نجحت عمليّة طوفان الأقصى في عرقلة مشاريع التطبيع التي كانت قائمة".