يلوم الكثيرون، في الداخل والخارج، الفراغ على استخفافه وعدم جديته في التحضير لانتخاب خلف له، وهو في الحقيقة لا يبدو مستعجلاً لتقصير ولايته الرئاسية الّذي يتحضر لدخول عتبة نصفها بعد نحو شهرين، فيما بدأت فكرة التعايش معه لست سنوات كاملة، تتبلور في اذهان لبنانيين ومسؤولين رسميين من العرب والاجانب على حد سواء.
حالياً، تتعزز هذه الفرضيّة اكثر فأكثر، لا بل يكثر الحديث عن اكمال الفراغ ولايته الرئاسيّة بالتزامن مع استلام التمديد مقاليد الانتخابات في لبنان، فيكون هذا هو حال المجلس النيابي ورؤساء البلديات والمخاتير، وبالطبع قادة الاجهزة الامنية والعسكرية، ناهيك عن استحالة استبدال الحكومة الحاليّة ولو انها مستقيلة، فيتحول بذلك الاستثناء الى قاعدة.
مردّ هذا التفكير، هو انّ التطورات الحالية اثبتت ان احداً غير مستعجل لتبديل الستاتيكو الرئاسي الحالي في لبنان، ليس فقط بسبب الاوضاع المتقلّبة في المنطقة من غزة الى الجنوب اللبناني الى سوريا والعراق واليمن، الى المفاوضات السرية الدائرة بين الاميركيين والايرانيين الى تراجع الدور السعودي في المنطقة، الى الضياع الدائر في الحرب بين روسيا واوكرانيا... وليس فقط بسبب قرب الاستحقاق الرئاسي الاميركي الذي يضع العالم بين خيارين: استكمال خطّة عمل الديمقراطيين بوصول نائبة الرئيس كاميلا هاريس الى البيت الابيض، او وضع خطة جديدة بادارة الرئيس السابق دونالد ترامب (ولو ان الخطوط العريضة ستبقى نفسها خصوصاً في الشرق الاوسط)، انّما لاعتبارات اخرى ايضاً. فهناك اقتناع غربي بأنّ العمل "بالمفرّق" لحلّ الاوضاع في المنطقة لم ولن يؤتِ ثماره، ولا بد من العمل "بالجملة" كي تستقر الامور لعقد من الزمن على الاقل، وهذا الامر يحتاج الى تناغم وتنسيق مع الطائفة الشيعية في كل الدول العربية، ولا مفرّ من ذلك، وهو ما بدأ العمل عليه فعلياً خصوصاً في دول الخليج.
اما على الصعيد اللبناني، فالواقع يفرض المرور بالثنائي الشيعي لانتخاب رئيس، اذ لا يمكن القفز فوق هذا الثنائي وهذا امر محتوم، انما لا يمكن ايضاً القبول بمرشّحه الذي يتمسك به حالياً (اي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية) لانّه لم يقنع الغرب بعد ولا يزال يحتاج الى غطاء لبناني شامل لم يحصل عليه، وتحديداً لدى المسيحيين. اما العمل على مرشح آخر يرضي الجميع ويكون بمثابة "ارنب القبعة السحريّة" فيحتاج الى وقت وجهد وتواصل، ولا احد يملك ترف الوقت حالياً لا على الساحة الاقليميّة والدوليّة، ولا على الساحة اللبنانيّة.
في غضون ذلك، يستمر العمل على الحلول، انما بوتيرة بطيئة، وطالما انّ اللبنانيين تأقلموا مع الوضع الحالي والظروف الصعبة على الصعد كافة، من دون اثارة أيّ مشاكل من شأنها ان تجبر الخارج على اعادة الحسابات، فسيستمر الحال على ما هو عليه مع نهاية هذا العام، ولكن السؤال يبقى حول المدّة التي يطمئن الفراغ الى ان لا منافس له على كرسي الرئاسة.
في هذا السياق، تشير المعلومات والتحليلات التي يتبادلها المطّلعون وبعض المعنيين بالموضوع، الى انه في ظلّ التسليم بأنّ العام 2024 لن يشهد رئيساً في لبنان، فإنّه من المبالغ فيه القول ان الانتظار سيستمر نحو اربع سنوات، وهم يستندون الى ذلك بالاشارة الى ان الحرب على غزة باتت منهكة للجميع ولا قدرة على الاستمرار بها بالوتيرة نفسها لسنة اخرى، ناهيك عن ان اميركا ستشهد وصول رئيس جديد اياً كانت هويته، فيما من المرجح الا يبقى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في منصبه لوقت طويل، ولا بد من حصول تطور سريع على الخط الروسي-الاوكراني. كل ذلك يُعتبر مؤشّراً الى انه من غير المتوقع ان ينعم الفراغ الرئاسي في لبنان بولاية كاملة، وقد يكمل نصف ولاية فقط في افضل الاحوال.