منذ عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول الماضي، طُرحت الأسئلة حول تداعيات ذلك على مستقبل القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية الموجودة في موقع المسؤولية، لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بسبب حجم الضربة التي تعرضت لها تل أبيب في ذلك اليوم، ليس فقط على المستويين العسكري والأمني بل أيضاً والأهم على المستوى المعنوي.

إنطلاقاً من ذلك، كان المتوقع أن تبادر إلى شنّ عدوان كبير على قطاع غزة، لترميم الصورة التي تهشّمت، خصوصاً في ظلّ الدعم الذي حظيت به من قبل العديد من الدول الغربيّة، لكن الأساس يبقى أن نتانياهو، في ظلّ كل هذه المعمعة، كان يبحث عن كيفية الحفاظ على مستقبله السياسي، بالإضافة إلى تجنّب إحتمالات المحاسبة القضائيّة.

بناء على ما تقدم، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي سداً منيعاً أمام كل الطروحات التي قدمت، بهدف الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى مع حركة "حماس"، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "النشرة"، حيث كان هدفه البحث، بأي وسيلة، عن تحقيق "إنتصار" معنوي، يعيد ترميم صورته الشخصية قبل صورة تل أبيب الردعيّة، على إعتبار أن نتائج إنتهاء العدوان، قبل تحقيق ذلك، ستكون كارثية.

في الأسابيع الماضية، ظن الكثيرون بأن نتانياهو لن يمانع الذهاب إلى إتفاق، بعد إغتيال كل من رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، والقيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، على قاعدة أن ما حصل قد يكون، من حيث الحجم، "الإنجاز"، الذي كان ينتظره رئيس الوزراء الإسرائيلي.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، السلوك الإسرائيلي بعد ذلك، خصوصاً مع إنطلاق جولة المفاوضات الجديدة في العاصمة القطرية الدوحة، يؤكد أن نتانياهو لم يصل إلى مرحلة حسم قراره بالتسوية، الأمر الذي تعكسه المطالب المتشددة التي يطرحها أمام الوسطاء، رغم إداركه بأنها ليست مرفوضة من قبل "حماس" فقط، بل أيضاً من الجانب المصري الذي يعتبر نفسه معنياً بمعظمها.

في هذا السياق، قد تكون النقطة المفصليّة، التي تبرر سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، تكمن في إستطلاعات الرأي التي تعكس توجّهات الرأي العام في الداخل الإسرائيلي، حيث أنها تشير إلى إرتفاع في شعبيته، أمام الشخصيات المعارضة له، منذ تاريخ التصعيد الذي لجأ إليه بعد عودته من الولايات المتحدة، وهو ما تأكد، من جديد، من خلال نتائج إستطلاع رأي، نشر يوم أمس في وسائل الإعلام العبرية.

في هذا الإطار، تلفت المصادر المتابعة إلى أنه رغم التحذيرات، التي تطلقها العديد من الشخصيات الإسرائيليّة، فإنّ الخطاب المتشدد لا يزال هو الأكثر شعبيّة، وبالتالي لن يغامر نتانياهو، في هذا الوقت، بالذهاب إلى تسوية، قد تكون لها نتائج سلبية على مستقبله السياسي، خصوصاً أنها ستعيد فتح الباب أمام الأسئلة الكبرى، التي تتعلق بالجهات التي تتحمل المسؤوليّة عن الإخفاق الذي وقع في السابع من تشرين الأول.

من وجهة نظر المصادر نفسها، من الطبيعي أن يفضل رئيس الوزراء الإسرائيلي إستمرار المسار الحالي، طالما أنّ النتائج تصب في صالحه، لا سيما أنّ مرور الوقت يعزز رهانه على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث التوافق بينهما في الرؤية، خصوصاً على مستوى النظرة إلى طهران، في حين أن فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لن يغير كثيراً من المعادلة، على إعتبار أن واشنطن، مهما كان إنتماء الإدارة الحاكمة الحزبي، لن تفرض تسوية لا ترضى عنها تل أبيب.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أنّ الواقع الحالي يؤكّد عدم مصلحة نتانياهو بالتسوية، لكن من دون أن يعني ذلك قدرته على الذهاب إلى تصعيد أكبر، نظراً إلى أن هذا الأمر قد يكون له نتائج عكسية، إلا أنّ المشكلة، بالنسبة إليه، هي أن يذهب المحور المقابل إلى مثل هذا التصعيد، حيث رهانه في هذا المجال على قدرات الولايات المتحدة، التي كانت قد تحركت عسكرياً، من أجل بناء توازن ردعي.