بعد مرور عشرة أشهر ونيف على الحرب في غزة، تشخص الأبصار والأنظار نحو قطر والقاهرة، إنها طاولة التفاوض التي تنعش آمال الفلسطينيين على نبضات متفاوتة بين اليوم والاخر، إنها مفاوضات المسار الطويل في إنهاء الحروب بغية التوصل الى حل، باعتبار أن المفاوضات هي الوسيلة الدبلوماسية الأسمى في العلاقات الدولية والأهم لحل النزاعات، فيها يحاول كل طرف بحيلةٍ بأن تكون ارجحية الإتفاق لصالحه.
في هذا الإطار تأتي المفاوضات التي تحصل برعاية أميركية ومشاركة قطرية ومصرية لوضع حدٍّ للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023، فهل هذه المفاوضات تأتي في إطار إنهاك الأطراف بعد مرور عشرة شهور؟ سيما الإسرائيلي الذي لم ينجح بتحرير الأسرى في الحرب ولا بالقضاء على حماس، وباحتلاله لغزة يتكبد الضربات اليومية والاستنزاف العسكري، ولا يحصد سوى قتل المدنيين من الفلسطينيين، فهل يلجا الإسرائيلي الى اخذ المطالب بالمفاوضات بعدما عجز عن تحقيقها بالحرب؟.
أم أن هناك رأيٌ آخر لمشهد المفاوضات، فهي مجرد ملهاة -حتى الآن- لإضاعة الوقت ولإعطاء مهل أكثر لرئيس وزراء الحرب الاسرائيلي المجرم بنيامين نتنياهو في سبيل إبادة الفلسطينيين في غزة والوصول لهدفه الذي يريد وهو تدمير حماس، وتحقيق السيطرة على القطاع والإتيان بقوات عربية أو تركية للحكم.
في أيار الماضي وصل الطرفان الى إتفاق الستة أسابيع الذي اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن وصوت عليه مجلس الامن بقرار 2735 الذي يمر عبر ثلاثة مراحل:
1-وقف اطلاق النار واطلاق سراح فلسطينيين،
2-الانسحاب الاسرائيلي من غزة و اطلاق سراح الاسرائيليين،
3-فتح المعابر وادخال 600 شاحنة مساعدات يومياً،
وكان هذا الإقتراح بمثابة إعلان العودة الى نقطة الصفر بين اسرائيل وحماس وبالتالي تلاشي مشروع إبادة غزة وتحويلها الى مقاطعة اسرائيلية، سيما بعد تفكيك الميناء العائم الذي ظهر بهدف تدخل انساني من قبل الولايات المتحدة الاميركية في أيار الماضي.
لكن اصبح من المؤكد ان الولايات المتحدة الأميركية المتورطة بدماء الفلسطينيين من خلال الإسناد العسكري والدعم المادي والتغطية السياسية في الحرب على غزة، فهي متهمة الآن بالتواطؤ مع نتنياهو في لعبة تمييع المفاوضات، لو ارادت الدولة العميقة في أميركا إنهاء هذه الحرب لأنهتها، فلذلك حتى الآن تعتبر المفاوضات نوعا من كسب الوقت اسرائيلياً.
وعلى الرغم من ذلك هناك تفاؤلاً ما هذا الأسبوع من المفاوضات القائمة، مع أن حماس منذ البداية تتمسّك بموقفها القائم على العودة الى ظهر يوم 7 تشرين الأول الفائت بالضبط، أي الإنسحاب الاسرائيلي من غزة ليبدأ ملف تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاسرائيليين، إضافة الى ملف إعادة الإعمار وفتح المعابر الإنسانية على الاقل، وهي مطالب محقة في ظل هذا العدوان المجرم على غزة .
لكن ومن خلال كلّ هذه المعطيات يمكننا القول بأن نتنياهو لم يقتنع بعد بإيقاف الحرب ولا الأميركي ايضاً وهو يمده بالوقت والسلاح والمال بهدف القضاء على حماس، رغم ان يؤآف غالانت و معاوني نتنياهو أكدوا انه من المستحيل القضاء على حماس كلياً، وهو بالرغم من ذلك لا زال عازماً على العدوان، ومن خلال قتله فؤاد شكر في قلب الضاحية واسماعيل هنية في قلب إيران دلالة على ان هناك تهديد بتوسعة الحرب وتوريط الدول كلها فيها او المجيء بحلول ترضيه دون المساس بمستقبله الشخصي والسياسي، فهو يرى له الأحقية بقراراته من جهة وعليه الهروب من المحاسبة الداخلية من جهة اخرى، هذا ما يشير الى ان المفاوضات سائرة نحو نهاية مظلمة وطريق شائك، سيما بالتعقيدات الأمنية التي وضعها نتنياهو قبل ذهاب فريقه المفاوض للدوحة بالسيطرة على ثلاثة ممرات (صلاح الدين، فلاديلفيا في الجنوب مع مصر) و(ممر وادي غزة، نتساريم في الوسط) و(المنطقة الشمالية-بيت لاهيا وبيت حانون المحيطة بعسقلان وأشدود) إضافة الى الحزام الأمني بطول القطاع لحماية مستوطنات غلاف غزة.
رغم تراجع أسقف الشروط إلا انه لا نية لدى إسرائيل والغرب لإيقاف هذه الحرب في المدى القريب او بالطريقة الحالية، ولكن في نفس الوقت لا مجال لفتح حرب شاملة لأسباب تقدرها جميع الأطراف سيما أميركا وحتى العمق الاسرائيلي وهي ان اسرائيل ستكون المتضرر الأول والأكبر ويليها مباشرة القواعد الأميركية في الشرق الاوسط اذا حاولت التدخل عبر البوارج والطائرات.
فلذلك ستحافظ اسرائيل على إبقاء طاولة المفاوضات وسيتم تخفيض سقف المطالب اكثر فاكثر للإكتفاء بحزام أمني حول القطاع، وبالتالي تخفيض الشروط الشاملة تدريجياً ولكن هذا قد يطيل وقت التفاوض وبالتالي وقت الحرب، الذي سيتخلله ضربات عسكرية قاسية متبادلة بين الأطراف دون الدخول بحرب شاملة.