أكّد البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، أنّ "المصالحة هي حاجة مجتمعنا اللّبناني، فمعها تنتهي حرب المصالح الشّخصيّة الّتي هي أخطر من الحرب المسلّحة"، موضحًا أنّ "المصالحة تبدأ مع الذّات بترميم العلاقة مع الله، وبتغيير المسلك والموقف والنّظرة، وترتقي إلى مستوى المصالحة الاجتماعيّة بحلّ الخلافات والنّزاعات وسوء التّفاهم".

وأشار، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في الديمان، إلى أنّها "تنتقل بعدها إلى المصالحة السياسيّة بإعادة بناء دولة الوحدة الوطنيّة ودولة الحقّ والقانون الصّالحة والعادلة. وتبلغ كمالها بالمصالحة الوطنيّة بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يسهر على الوحدة الوطنيّة، يحمي الدّستور والميثاق، ويحصّن العيش معًا ومشاركة الجميع العادلة والمنصفة والمتوازنة في إدارة شؤون البلاد العامّة".

وشدّد الرّاعي على أنّه "فليُسمح لنا الكلام مارونيًّا ولو لمرّة، عن إقصاء الموارنة عن إدارة الدّولة، بدءًا من عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنتين حتّى الآن، في أخطر مرحلة يمرّ فيها ​لبنان​. فيجب التّذكير بالمرحلة الذّهبيّة الّتي كان زمام الحكم فيها بيدهم".

ودعا إلى أن "نتذكّر المرحلة الذّهبيّة في العلاقات بين الطّوائف المسيحيّة والإسلاميّة، وبين لبنان والعالم العربي، وبين لبنان والعالم الإسلامي. فلنتذكّر جمال الصّيغة اللّبنانيّة بمفهومها الميثاقي سماحةً في التّطبيق وبساطةً في التّعايش، وحريّةً في الممارسة العامّة".

وأضاف: "فلنتذكّر كيف كان رؤساء حكومة لبنان يخاطبون ملوك ورؤساء العرب من الندّ إلى الندّ. كانوا أصدقاءهم ومحاوريهم وجلساءهم. كانوا رسلَ لبنان إلى العالم العربيّ، أمثال رياض وسامي وتقيّ الدين الصلح، وصائب سلام وعبدالله اليافي ورشيد كرامي وشفيق الوزّان. وكيف كان رؤساء المجلس النّيابي مثلًا صبري حماده وعادل عسيران وكامل الأسعد وحسين الحسيني".

كما تابع الرّاعي: "فلنتذكّر حين أحاط، إبتداءً من أواخر القرن السادس عشر، الأمراء المعنيّون فالشهابيّون أنفسهم، ولا سيما الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني (1572-1635)، بالنخب المارونيّة المدنيّة والكنسيّة. لقد أمّن لهم الموارنة الفكر السّياسي، والتّنظيم الإداري والاقتصادي، والقوّة العسكريّة، والعلاقات الدّبلوماسيّة مع أوروبا، ما شكّل حمايةً لإمارة الجبل في وجه السّلطنة العثمانيّة.

وركّز على أنّ "مسلسل الأحداث يكشف أنّ ما اهتزّت وحدة لبنان إلّا مع إضعاف دور الموارنة وتهميشه. وتقتضي الموضوعيّة التّاريخيّة الاعتراف، بالمقابل، بأنّ قيادات وتيّارات وأحزابًا مارونيّة تتحمّل جزءًا من تراجع المسيحيّين"، داعيًا إلى أن "نصلّي من أجل المصالحة الرّوحيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والوطنيّة".