لم يكن هناك أي استعجال لإعادة عقد طاولات التفاوض حول الحرب على غزة، قبل التصعيد الاسرائيلي الخطير في الضاحية الجنوبيّة وطهران، ولكن بعد التصعيد والتوعّد بالرد، خاصة من قبل إيران، حرّكت الولايات المتحدة الأميركية ملفّ التفاوض بسرعة، وحذّرت طهران من أنّ ردها قد يؤدّي الى عرقلة التفاوض، فاستجابت الجمهورية الاسلامية واستجاب حزب الله، رغم علمهما بأنّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو لا يُريد وقف الحرب.
أثبت الأخير بعد جولتي التفاوض في الدوحة والقاهرة أنه لا يزال يرغب باستمرار الحرب، لأهداف شخصية وسياسية، وأخرى استراتيجية أيضاً تتعلق بالوضع في المنطقة وغزة بعد الحرب، كما جبهات المساندة وما يجري عليها، وموقف الولايات المتحدة الاميركية من كل ما يجري طبعاً.
غادر وفد حركة حماس وفريق التفاوض الإسرائيلي القاهرة مساء الأحد، بعد فشل الحصول على تنازلات من الطرفين، أيّ حركة حماس والعدو الاسرائيلي، إذ لا يزال نتنياهو من حيث الشكل متمسكاً بالبقاء في محور فيلادلفي، ولا يزال الاميركيون على نفس الموقف، رافضين للضغط على حليفهم الاسرائيلي رغم كل ما يقولونه في الاعلام، مع ضرورة التفريق بين الإدارة الاميركية الحالية، والدولة العميقة في أميركا، والتي تسيطر على القرار، داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
بحسب مصادر متابعة فإن الأميركيين سيستمرون ببث الإيجابيات حول التفاوض، وسنسمع في الإعلام عن استمرار المحاولات والمفاوضات خلف الكواليس، ولكن لا يمكن الحديث عن أن الإدارة الأميركية الحالية تقوم بعملية شراء الوقت، لأن هناك مصلحة لها في الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، نظراً إلى المنافسة الإنتخابية التي يخوضها الحزب الديمقراطي مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والتي باتت فيها هذه الحرب، خصوصاً بالنسبة إلى عنوان دعم إسرائيل، أساسياً فيها، لكن هذا لا يعني أن إدارة بايدن ستذهب إلى فرض ضغوط كبيرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نظراً إلى أن لا مصلحة لها في ذلك.
بالمقابل هناك رأي آخر يقول أن الإدارة الاميركية الحالية في وضع صعب، على أبواب الانتخابات، وانسحاب بايدن الرئيس الحالي من السباق، وبالتالي هي ضعيفة للغاية وغير قادرة على الضغط على الاسرائيلي حتى وإن رغبت بذلك، وبحسب المصادر فإن نتيجة هذا الضعف تعنّت نتنياهو الذي لن يقدم أوراق قوة لإدارة بايدن الراحلة قريباً، وسينتظر وضوح صورة الانتخابات الرئاسيّة، بحال تمكّن من ذلك قبل موعدها، أو انتظار حصولها بحال شعر أن حظوظ ترامب لا تزال كبيرة.
إنطلاقاً من ذلك، بالإضافة إلى مصلحة رئيس الوزراء الاسرائيلي بإستمرار الحرب، يمكن الحديث عن أن المرجح بات إستمرار الحرب إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسيّة الأميركية، على أن يتحدد مصيرها بعد ذلك، إلا إذا حصلت مفاجأة، حتى الآن غير متوقعة، ونجحت واشنطن في رعاية إتفاق بين حركة "حماس" والجيش الإسرائيلي، ولكن خلال هذه المرحلة ستبقى الولايات المتّحدة تروج لمسألة التفاوض، وتسعى لضبط إيقاع الحرب لكي لا تتحول الى اقليمية في المنطقة، وهنا الفارق بالموقف لدى الدولة العميقة في أميركا، فهي لا تُريد الحرب الشاملة ولكنها أيضاً لا تُريد وقفها في الوقت الحالي.