يكاد لُبنان أن يكون جزيرة من الفراغات، وعلى كل المُستويات... وقد انسحب الفراغ في الرئاسة الأُولى، على فراغات على طُول الدولة اللُبنانية وعرضها، وصولا ضُمنا إلى الفراغ القضائي، وعنينا به تحديدا تمديد الإيجارات غير السكنية، في 30/6/2022، بموجب القانون رقم 243/2017، والمنشور في الجريدة الرسمية في 22/7/2022.

فقد أتاح فراغ تمديد الإيجارات غير السكنية، إمكان الإشغال من دون مُسوغ شرعي، ما قد يُشكل بالتالي تعديا على حُقوق الغير.

ولكن حُكما قضائيا "مُعجلا التنفيذ"، أصدرته القاضية ستيفاني روبير صليبا (محكمة الأمور المُستعجلة)، كان تقدم به المُحامي كميل حبيب معلوف، بوكالته عن السيد نجيب حبيب معلوف، في وجه السيد موسيس باركيف كازاجيان، ووكيله المحامي دانيال القسيس...

وكان كازاجيان يشغل مخزنَيْن تجاريَيْن هُما القسمَيْن (5) و(6) من العقار رقم 2140 – البوشرية، و"من دون مُسوغ شرعي، بعد نفاذ مفعول تمديد الإيجارات غير السكنية"...

ويعني هذا الكلام – بلُغة القانون – أن ثمة "تعديا واضحا على صاحب الحق (نجيب معلوف).

لذا فقد قضى الحُكم الصادر عن القاضية ستيفاني صليبا بـ "إلزام المُدعى عليه بإخلاء القسمين المذكورين من العقار المُشار إليه أعلاه "فورا، ومن دون أي مهلة، وتسليمهما له (أي لصاحب العقار)، تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها عشرة ملايين ليرة لُبنانية عن كُل يوم تأخير، على أن يكون القرار نافذا على أصله، وتضمين المُدعى عليه النفقات"...

وقد استندت القاضية صليبا في حُكمها إلى "التعدي الواضح الذي لا يكتنفه أي غموض أو التباس على الحقوق والأوضاع المشروعة"... وكذلك إلى "ما يُشكل تعديا واضحا على الحُقوق، تقتضي إزالته"...

وفي مجال آخر، ينبغي الأخذ في الاعتبار هُنا، أن "نية المُشرع هي العمل بالقانون القائم، حتى صُدور قانون جديد"، بخاصة وأن القانون رقم 243/2017، يتضمن عبارة: إلى حين نفاذ قانون خاص يُنظم علاقة المالك بالمُستأجر، في هذه العُقود".

وثمة نقطة ينبغي التوقُف عندها في هذه القضية تحديدا، وهي واردة في الحُكم، ومفادُها أن "التمديد القانوني لإجارة المُدعى عليه انتهت في 30/6/2022، أي قبل تاريخ تقديم الدعوى، ولم يصدر حتى تاريخىه أي قانون جديد يُمدد هذه المُدة أو قانون خاص يُنظم علاقة المالك بالمُستأجر، في هذه العُقود، ما يوجب العمل بقاعدة حُرية التعاقد... وحيث إن التمديد أو التجديد الإضافي لعقد الإيجار، خاضع لحُرية التعاقد، ولإرادة الفريقين المُشتركة، إلا أن العبرة لإنهاء عقد الإيجار ترتكز على نية المُؤجِر بعدم التمديد أو التجديد. ولا يُمكن بالتالي افتراض استمرار الإجازة تلقائيا، ومن دون إثبات نية التمديد، وإلا كانت للمُستأجر فرصة إبقاء التعاقُد قائما من دون مُسوغ شرعي"...

حيثيات دامِغة

بحيثيات دامغة، كسرت القاضية صليبا فراغا قانونيا، في دعوى إيجار غير سكني: فهل تُسرّع هذه السابقة إقرار قانون جديد وعادل للإيجارات في لُبنان؟.

إنها سابقة في القضاء تُبشر بأُفول زمن التمديد والتجديد له... فهل يُصبح التمديد استثناء، وكسر الفراغات القانونية يُضحي الأساس؟.

وأخيرا وليس آخرا: هل ينسحب هذا الإنجاز القضائي، بالاستناد إلى القوانين المرعية الإجراء، على باقي القطاعات الرازحة تحت عبء فراغ قاتل، يتمدد على مساحة الوطن؟...

المسألة تحتاج إلى قرار بكسر الجُمود، وخارطة طريق تكفل ذلك...

هي مُبادرة أطلقها المحامي كميل معلوف، وكرّست عدالتها القاضية ستيفاني صليبا، حتى باتت اليوم مصدر وحي لكسر الفراغ.