تقع مزرعة علي الطاهر على ارتفاع حوالي 600 متر، وهي جبل بين كفرتبنيت والنبطية الفوقا يشرف على النبطية، ومن خلاله تتراءى أحياء المدينة وأزقتها الداخلية.
وهناك، يقع مقام علي الطاهر، الذي يشبه إلى حدّ ما المقامات في العراق، من حيث الطراز العمراني والمضمون والقيمة الدينية والاثرية. إلا أن القوات الإسرائيلية، التي كانت قد انسحبت من النبطية في العام 1984، احتلّت المقام ربع قرن، واعاثت فيه فساداً في بنائه، وحولته إلى مركز عسكري محاطا بالدشم من الباطون والاسمنت، وكانت من خلاله تعتدي على النبطية ومنطقتها، حيث لا ينسى أحد مجزرة الباص المدرسي، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي من هذا الموقع، والتي سقط فيها عدد من الطلاب خلال عودتهم من مدارسهم.
في هذا الإطار، يشير امام بلدة ارنون ومسؤول الرقابة والقضاء في "حركة أمل" بإقليم الجنوب الشيخ محمود قاطباي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن علي الطاهر ولي صالح من الأولياء المؤمنين، وكان مرقده مزاراً لأغلب عائلات المنطقة، التي كانت تشارك في إحياء المناسبات الدينية فيه، والتي كانت تستمر وتبقى ليلتين أحياناً، موضحاً أن السيارات لم تكن تصل إلى المرقد، فكانت الرحلة تبدأ عصراً سيراً على الأقدام، في حين كان هناك من يستعين بالدواب والخيل للوصول باكراً، وكان معظم الذين يشاركون يمضون ليلتهم هناك، ليعودوا أدراجهم إلى منازلهم مع شروق الشمس.
ويلفت إلى أن هذا المقام له قيمة دينية ومعنوية، وكان محطة تبرك للمواطنين من أهالي أرنون ويحمر وكفرتبنيت والنبطية الفوقا والنبطية والزوطرين الغربية والشرقية، وخلال زيارات أربعينية الامام الحسين إلى العراق، كان الناس يقصدونه للصلاة، ومنهم من كان يبيت فيه، ويضيف: "هذا كان قبل الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، وقد قامت القوات المحتلة، في العام 1984، بالاستيلاء عليه بعد انسحابها من النبطية، واتخاذه موقعاً لها، حيث غيرت من معالمه واثاره وأحدثت فيه فجوات، وانتزعت قبّته ونهبت مقتنياته، وأقامت على سطحه دشمة مسلحة، وضعت داخلها مدفع وكانت تعتدي على النبطية ومنطقتها".
ويوضح الشيخ قاطباي أن المقام اليوم بحاجة إلى إعادة تأهيل ليعود إلى ما كان عليه، معلماً دينياً على طراز مقامات الأئمة في العراق، لافتاً إلى أن "هذا ما نطلبه من وزارة الثقافة والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كما نطالب الخيرين بإقامة حملات تبرع لهذا الهدف الديني، خصوصاً أن القاطنين في محيطه من أبناء ارنون كفرتبنيت والنبطية الفوقا".
من جانبه، يوضح الموثق لتاريخ المقامات في النبطية المهندس يوسف جحا، في حديث لـ"النشرة"، أن المقام هو في بلاد الشقيف وعليه قبة، حيث رممه الحاج علي هلال في العام 1180 هجري، وكان يسمى بمقام علي الطاهر ويدير أوقافه السادة آل نور الدين في النبطية الفوقا. ويلفت إلى أن ادوارد روبنسون ذكره في رحلته الثانية إلى لبنان في العام 1852، حيث لفت إلى أنه غربي الجرمق يقع مقام الولي الطاهر وهو أيضاً معلم، كما ذكره السيد محسن الأمين في خطط جبل عامل، والشيخ إبراهيم سليمان في كتابه بلدان جبل عامل، والشيخ جعفر المهاجر في كتابه ستة فقهاء أبطال.
ويشير إلى أن الناس، قبل الاحتلال الإسرائيلي للجنوب، كانت تأتي اليه للتبرك منه وايفاء النذور، وكانت له كرامات عديدة ونذوره مستجابة، ولكن الجيش الإسرائيلي خلال فترة الإحتلال، دمره بعد انسحابه منه في شهر أيار من العام 2000.