لاقَت خطة الطوارئ التي أعلنتها وكالة "الأونروا" تحسبًا لاحتمال نشوب حرب إسرائيلية ضد لبنان، اعتراضًا فلسطينيًا على المستويين السياسي والشعبي. إذ لم ترقَ إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تواجهها المخيمات الفلسطينية في ظلّ العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من جهة، وعلى جبهة الجنوب من جهة أخرى، بالإضافة إلى استهداف قادة المقاومة الفلسطينيين واللبنانيين في مناطق بعيدة نسبيًا عن مواقع المواجهة.

بعد اغتيال القائد الجهادي في "حزب الله" السيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت (30 تموز 2024)، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران (31 تموز 2024)، وما تبعه من رد عسكري من الحزب (25 آب 2024) وبانتظار الرد الإيراني القادم، تصاعدت المخاوف من انزلاق المنطقة نحو حرب مفتوحة في ظل التهديدات الإسرائيلية ورغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الهروب من أزمته الداخلية. هذا الواقع فرض على الدولة اللبنانية من جهة، ووكالة "الأونروا" من جهة أخرى، تفعيل خطة الطوارئ، والتي لاقت اعتراضًا كبيرًا.

وعَدَّدت أوساط فلسطينية مسؤولة، لـ"النشرة"، جملة من الأسباب الواقعية التي دفعت القوى الفلسطينية والشعبية إلى الاعتراض على الخطة:

-التأخير في إعلانها وبدء التنسيق مع المؤسسات المحلية والمنظمات الدولية غير الحكومية، ناهيك عن سفارة فلسطين والجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني. فقد لوحظ أن الوكالة أعلنت عنها في منتصف نيسان الماضي، لكنها لم تؤكد جاهزيتها إلا قبل أسبوعين في منتصف آب تقريباً للاستجابة السريعة لأي طارئ خلال 72 ساعة.

-اكتفاء "الأونروا" بتحديد 11 مركزاً لإيواء النازحين الفلسطينيين في المدن اللبنانية، دون أن تشمل مراكز رئيسية مثل صيدا وبيروت في البداية، قبل أن تتراجع وتعلن عن تجهيز أحد أقسام مركز نبيه بري للتعليم التقني، بعدما أقرته الدولة اللبنانية كمركز إيواء. مما يؤكد تضارب معايير الأمان في خطتها، حيث اعتبرت جميع مراكزها في بيروت غير آمنة.

وحددت "الأونروا" مراكز الإيواء في المدن اللبنانية دون المخيمات على النحو التالي: مدرسة حولا–كربيد في منطقة صور، مدرسة منصورة–القاسمية في منطقة القاسمية، بيت جالا، بير زيت مركز سبلين في مركز سبلين المهني في منطقة إقليم الخروب، بتير، جبل طابور، مجيدو مزار، منارة ومعهد سبلين، مدرسة طوباس وغزة في نهر البارد–الشمال، ومدرسة الجرمق–البقاع.

-اعتراض القوى الفلسطينية على خطة طوارئ "الأونروا" من حيث تحديد مراكز الإيواء في المدن اللبنانية، وترك سكان المخيمات عرضة للخطر في حال تعرضها لأيّ اعتداء إسرائيلي. وهذا يثير تساؤلات حول نيّة إخلاء هذه المخيمات بدلاً من تعزيز صمود سكانها، تحت ذريعة "أنّ المراكز اختيرت بناءً على انخفاض مخاطر تأثرها بالنزاع وقدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من النازحين."

-ضرورة استكمال الوكالة خطواتها برفع رايات الأمم المتحدة وطلاء أسقف المراكز بكتابة (UN) والعمل على توفير احتياجات أساسية مثل الأدوية، الوقود، والمواد الغذائية داخل المخيمات، مع غموض التدابير والإجراءات الخاصة بتوفير الحقوق الإنسانية الأساسية للاجئين الصامدين في بيوتهم، وخاصة فيما يتعلق بتأمين المياه، والخدمات الصحية والإغاثية، وخدمات الإنقاذ في حالات الطوارئ.

خطة طوارئ شاملة

وفي تعليق له، دعا مسؤول دائرة اللاجئين ووكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية، فتحي كيلب، إلى إعداد خطة طوارئ شاملة تدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم وتجمعاتهم، وتلبي احتياجاتهم الأساسية بشكل فعّال. وأشار إلى أن "الأونروا" لم تتطرق بشكل كافٍ إلى قضايا صيانة تجمع المدارس في عين الحلوة، وترميم المنازل المتضررة من الاشتباكات الداخلية، وإعمار مخيم البارد، وتعويض العائلات في الجزء الجديد منه.

وأكد أنه لم يتم تقديم أيّ توضيحات حول كيفية معالجة إشكاليات وصول موظفي "الأونروا" إلى أماكن عملهم في ظل الظروف الصعبة، وكذلك الخطط البديلة في حال عزلت المناطق أو قُطعت الطرقات. وطالب الوكالة بتوفير موازنات ماليّة كافية تستجيب للتحديات، والاستفادة من التجارب السابقة عبر تعزيز اللامركزية في تخزين المستلزمات الصحية والمواد الغذائية، ومنح صلاحيات أوسع، ولو مؤقتاً، لمدراء المناطق والمخيمات.

ودعا إلى تقديم مساعدات نقدية طارئة وعاجلة لجميع اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الظروف الصعبة والسيناريوهات المحتملة لأيّ عدوان تتطلب شراكة حقيقية بين مختلف المؤسسات والهيئات الفلسطينية العاملة في المخيمات الفلسطينية في لبنان. وطالب بعقد اجتماع وطني تشارك فيه "الأونروا"، وهيئة العمل الفلسطيني المشترك، والمرجعيات اللبنانية، والجمعيات والمؤسسات العاملة في المخيمات، بهدف حماية الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في مواجهة محاولات تصفية حقوقه الوطنية.

مطالب أساسية للصمود

في الوقت نفسه، أعربت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد" عن استهجانها للخطة والتي ركزت على تجهيز مراكز إيواء خارج المخيمات الفلسطينية لمواجهة أي طارئ أو اندلاع حرب في لبنان، دون اتخاذ خطوات كافية لتأمين المخيمات ذاتها.

ووضعت "شاهد" مطالب محددة لاستكمال خطة الطوارئ داخل المخيمات، شملت: توفير كميات إضافية من الأدوية، وخاصة للأمراض المزمنة، داخل العيادات والمراكز الصحية، تأمين كميات كافية من الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء وآبار المياه في المخيمات، توفير مواد غذائية كافية مثل المعلبات وحليب الأطفال وتخزينها داخل المخيمات، توفير مستلزمات طبية وحقائب إسعافات أولية في العيادات والمراكز الصحية، التنسيق مع الصليب الأحمر اللبناني والدولي لتوفير سيارات إطفاء داخل المخيمات، إضافة إلى تمديد ساعات عمل العيادات في فترة الطوارئ لضمان توفر الرعاية الصحية على مدار اليوم.

مواقف مديرة "الأونروا"

بالمقابل، أكدت مديرة عام "الأونروا" في لبنان، دوروثي كلاوس، جاهزية خطة الوكالة الإنسانية، موضحةً تحديد وتجهيز 11 "مركز إيواء للطوارئ" في مناطق مختلفة في البلد والتحضير المسبق للمواد الطبية والغذائية والوقود لتوفير الدعم للباحثين عن مكان يحتمون فيه في حالة التصعيد.

وأكدت كلاوس أن "الأونروا" تعمل بشكل نشط مع منظمات الأمم المتحدة والشركاء وحكومة لبنان لتخطيط وتنسيق أنشطة الجهوزية للطوارئ والاستجابة لها. كاشفة إن الوكالة تتعاون مع جميع المعنيين، بما في ذلك اليونيفيل، لحماية مراكز الإيواء باعتبارها منشآت تابعة للأمم المتحدة.

وسلطت كلاوس الضوء على جهود "الأونروا" لمعالجة احتياجات الفئات المحتاجة، بما في ذلك المرضى المصابون بأمراض غير معدية وكبار السن، من خلال تدابير الجهوزية مثل توفير الأدوية المزمنة للمرضى مسبقاً. وأشارت إلى أن "الأونروا" ستتواصل مع المجلس النرويجي للاجئين للبحث في أي دعم ممكن تقديمه لبناء قدرات فرق عمل المؤسسات المحلية.

وختمت كلاوس بقولها: "التنسيق مع شركائنا أمر ضروري لضمان استعدادنا جميعاً للاستجابة بفعالية لأي حالة طوارئ. تلتزم "الأونروا" بتحسين استجابتنا الجماعية لتوفير الدعم في الوقت المناسب وبشكل فعال عندما تحصل الأزمات".