لم يكن هناك من شك بأن الاسرى الذين سقطوا في يد الفصائل الفلسطينية في 7 تشرين الاول الفائت خلال عملية "طوفان الاقصى"، تم اعتبارهم بمثابة "الكنز" الحقيقي لهذه الفصائل، نظراً الى ما يمكن ان يعطوه من دفع لمطالبها خلال ايّ عملية تفاوض او تسوية. ولكن، بعد نحو سنة من احداث هذه العملية، تمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من تخطي كل الضغوط والعقبات التي وضعها اهالي الاسرى، واستفاد من كل انواع الخدع السياسية والعسكرية لعدم المرور في مسار التفاوض على الافراج عن هؤلاء الاسرى لعلمه بأن الكفّة ستكون مرجّحة للفصائل وحركة "حماس".
اليوم، كان لافتاً ان نتنياهو قدّم، وللمرة الاولى، اعتذاراً لاهالي الاسرى بعد اعادة جثامين 6 منهم تم انتشالها من نفق في رفح، وحاول التهرّب من تحمّل المسؤولية عبر القاء اللوم على "حماس" التي اتهمها بقتلهم وبالمماطلة لعدم الوصول الى اتفاق حول الافراج عن الاسرى. قلق نتنياهو مبرّر، ولكن حججه ضعيفة وهدفها ابعاد الكأس المرّة عنه، في ظلّ تصاعد وتيرة الغضب الشعبي واتهامات مناوئيه من السياسيين الاسرائيليين بأنه لا يبذل اي جهد للافراج عنهم، ولا يهمه هذا الامر، فيما كان كلام وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت واضحاً لجهة تأييده اتمام الصفقة، على غرار المسؤولين العسكريين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، قائد "الشاباك".
يدرك رئيس الوزراء الاسرائيلي ان موجة الغضب هذه عاتية، وهناك من يقول ان الاسرى واهاليهم، نجحوا في احراج نتنياهو تمهيداً لاخراجه من الحكم، الا ان العديد من المحللين والمتابعين يرون ان في الامر مبالغة، وانه على الرغم من ان الضغط كبير جداً على نتنياهو حالياً، فهو واثق من قدرته على تخطيه، استناداً الى ما قام به خلال الاشهر الـ11 الاخيرة، حين وقف في وجه الجميع في الداخل والخارج، واحبط كل محاولات افشاله والاطاحة به، وها هو اليوم مستمر في المنصب الاعلى بطريقة لم يتوقعها احد. لذلك، من غير المرجح ان تنجح المساعي المبذولة حالياً في الاطاحة بالحكومة الاسرائيلية، ولو تصاعدت الدعوات من السياسيين الاسرائيليين لحث الناس على النزول الى الشارع لتحقيق هذا المطلب.
حصول الانقلاب الابيض المنتظر، دونه عقبات كثيرة ليس من السهل تخطّيها. اولاً لانه لا يبدو ان الغالبية الاسرائيلية راغبة في الاطاحة حالياً بالحكومة، وهو ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تظهر انقساماً واضحاً في الموقف من هذه الحكومة وقراراتها، والانقسام وحده غير كاف، بل يجب ان تتأمن غالبيّة كبيرة قادرة على احتلال الشارع لفترة من الزمن وشلّ الحركة والاعمال لساعات طويلة، وهو ما ليس متوافراً حالياً. اما على الصعيد السياسي، فضغط المعارضة لا يمكن ان يؤتي ثماره من دون التجاوب الشعبي معه، حتى ولو شجع السياسيون المعنيون الناس على التظاهر واحتلال الشارع، وكما سبق وظهر فإنّ اداء المعارضة لم يكن قوياً خلال الفترة السابقة، وليس هناك من سبب يشير الى انه سيتغيّر خلال القادم من الايام، مع استمرار الكنيست في عطلته حتى اواخر الشهر الحالي ما يعني حكماً عدم القدرة على اسقاط الحكومة قانونياً.
ازاء كل ذلك، من غير المرجح ان يؤّدي الضغط الشعبي والسياسي في الداخل الاسرائيلي الى سقوط نتنياهو وحكومته، ولكن التحركات دليل على ان الضغط يتزايد وان البطاقة المفتوحة التي اعطيت لرئيس الوزراء في السابق لم تعد على حالها، وفترة مناورته لا يمكن ان تتعدى الانتخابات الرئاسيّة الاميركيّة المنتظرة.