يواصل بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، زيارته الراعوية إلى الأردن، وترأس امس الاحد الليترجيّا الإلهيّة في الكنيسة الكاتدرائيّة- عمّان، بمشاركة مطارنة السينودوس وحضور رسميين وممثلين عن الطوائف والكنائس، إضافة الى الوفد المرافق وكهنة الرعايا وحشد من المؤمنين.
وأشار في كلمة، إلى أنّه "يُثلج قلبنا أن نلتقي معًا في هذه الليترجيّا الإلهيّة، رافعين لله قبل كلّ شيء ذبيحة الشكر "على كلّ شيء وفي كلّ حين"، كما يوصينا القدّيس بولس الرسول، لأنّ "الله، يردف بولس، قادر أن يغمرنا بكلّ نعمة بحيث يكون لنا في كلّ حين وفي كلّ شيء الكفاية، ويَفيض عنّا لكلّ عمل صالح" (2كور 9: 8)".
وتوجّه العبسي بالشكر ثانيًا على "الاستقبال الكنسيّ البنويّ الحارّ الصادق الذي استقبلتمونا به، والذي نرى من خلاله إيمانكم الثابت بالله ومحبّتكم القويّة للكنيسة، ورجاءكم الراهن بمستقبلها ومستقبلكم أنتم أبناءَها. والشكر للمسؤولين المدنيّين والأمنيّين الذين سهّلوا لنا القدوم إلى هذا البلد الحبيب، الذي نتمنّى له الخير والاستقرار والازدهار والأمان، ونسأل الله أن يحفظ أبناءه".
ولفت إلى أنّ "القدّيس بولس يعلّمنا أنّنا كلّنا معًا من دون استثناء أعضاء في جسد المسيح الواحد، وأنّه إذا ما تألّم عضو من هذه الأعضاء أو فرح فكلّ الأعضاء تتألّم أو تفرح. الكنيسة كلّها تشعر بقوّة بما تشعر به أبرشيّة بترا وفيلادلفيا وشرق الأردن".
كما أوضح أنّ "مجيء البطريرك مع السينودس الدائم للوقوف إلى جانبكم، هو خطوة تدلّ على محبّتنا لكم، وعزمنا على بذل أقصى الجهود والتضحيات، ليكون لأبرشيّة الأردنّ مطران رئيس كهنة على هوى قلب يسوع، يحفظ أبناءه في الإيمان والرجاء والمحبّة؛ ويقودهم إلى الخلاص والحياة الأبديّة".
وركّز العبسي على أنّ "بداية الطريق أن نؤمن نحن أبناء هذه الأبرشيّة بها، وأن نريدها بالرغم ممّا فيها من نقص وضعف وهشاشة، وأن نحبّها فوق كلّ شيء، وأن نبذل كلّ طاقاتنا من أجل أن تكون كما شاءها الربّ بسوع، مقدّسة لا عيب فيها ولا غضن ولا شيء مثل ذلك. ليست الكنيسةُ المطرانَ ولا الكهنة ولا الرهبان ولا الراهبات. الكنيسة هي أنتم وهؤلاء معًا".
وأكّد أنّ "مسؤوليّة الكنيسة مسؤوليّة مشتركة، والكلّ مسؤول ولو بقدر قليل. لكن إذا كانت الكنيسة كنيستنا جميعًا، فذلك لا يعني أنّه في مستطاع كلّ واحد منّا أن يصوّرها أو يتصوّرها كما يحلو له أو كما يرى"، مشدّدًا على أنّ "الكنيسة لها هيكليّتها وقوانينها وأنظمتها وأعرافها وتاريخها وتقاليدها المقدّسة، ممّا لا يسمح لنا بأن نحاول أن نكيّفها على صورتنا وبحسب رغبتنا أو مشيئتنا".
واعتبر أنّه "قبل أن نرسم أوصافًا للمطران الآتي أو نضع شروطًا، فلنكن أوّلًا متطلّبين نحن من أنفسنا، لنكن عائشين بمقتضى الإنجيل. أمامنا مسيرة بدايتها الإصلاح على مستوى الصلاة والسلوك والعلاقات والعلم وأشياء أخرى"، مشيرًا إلى "أنّنا لذلك مدعوّون أوّلًا إلى أن نخرج من ذواتنا من أنانيّتنا من حساباتنا الصغيرة. عندئذ نستطيع أن نقول إنّنا أبناء هذه الكنيسة، إنّنا شعب الله الذي يضمّ المتفرّقات ويضمّ كلّ أمّة على الأرض، نستطيع أن نقول إنّنا نريد أن نبني كنيسة".
وتوجّه إلى الكهنة، قائلًا: "أخاطبكم بصراحة ومحبّة ودالّة ومن باب المسؤوليّة وصوت الضمير معًا. نجاح الأبرشيّة والكنيسة ونموّها وازدهارها وحسن صيتها، قائم عليكم أوّلًا كأفراد وكجماعة. أنتم القدوة، أنتم الملح، أنتم النور للأبرشيّة والكنيسة. أنتم عين الجسد التي تكلّم عنها السيّد المسيح، إذا ما أنطفأت أظلم الجسد كلّه. حال الرعيّة من حالكم، فرح الرعيّة من فرحكم، حزن الرعيّة من حزنكم، تعب الرعيّة من تعبكم. خلاص الرعيّة بيدكم".
وأضاف: "علينا أن نتحمّل المسؤوليّة التي ارتضيناها يوم وعدنا الربّ يسوع بأن نحافظ على الوديعة. ليكن هذا محطّ تفكيرنا لا سيّما في هذه الأيّام. من هنا يبدأ ما نحلم به ونتمنّاه لأبرشيّتنا. لا يحصل الانطلاق من المطران مهما كان عظيمًا بل من الذين مع المطران".
وتوجّه أيضًا إلى "الأبناء والبنات والإخوة والأخوات المحبوبين"، طالبًا منهم أن "تحبّوا كهنتكم، وأن تحوّطوهم بعناية وأن تساعدوهم على عيش كهنوتهم كما يليق. الأبرشيّة والكنيسة من مسؤوليّتكم أيضًا. أنتم مسؤولون عن أبنائكم الكهنة، كما أنّهم هم مسؤولون عنكم. إسعوا لتحافظوا على وحدتهم، لكي تحافظوا على وحدتكم أنتم وعلى وحدة الأبرشيّة. اجتهدوا في أن تحافظوا على كرامتهم، لكي تحافظوا على كرامتكم كأبناء للكنيسة. لا تدعوا الأمور تصل إلى حدّ القول أنا لفلان وأنا لفلان، إلى حدّ تمزيق جسد المسيح. "لأنّ الجسد واحد والروح واحد [...] والربّ واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة والآب واحد للجميع" (أف 4:4-5)".
وذكر أنّ "في الأوّل من شهر أيلول، تبتدئ في كنيستنا الملكيّة السنة الطقسيّة الجديدة، يبتدئ عام جديد في الرزنامة الطقسيّة. في بداية هذه السنة، تذكّرنا الكنيسة الغاية التي جاء يسوع من أجل تحقيقها، والتي سبق وتنبّأ عنها النبيّ أشعيا قائلًا: "روح الربّ عليّ لأنّه مسحني لأبشّر المساكين وأرسلني لأنادي للمأسورين بالتخلية وللعميان بالبصر وأطلقَ المرهقين أحرارًا وأعلن سنةَ نعمة للرب" (لوقا 4: 18-19)".
وأعلن في بداية هذا العام المقدّس، "أنّنا ما جئنا لكي ندين أو نحكم أو نحاكم أو نُنحي باللوم على أحد. جئنا ندعوكم إلى أن تكون سنتنا الجديدة "سنة نعمة للربّ"، سنةً يكون روح الربّ على كلّ واحد منّا، حتّى تكون أبرشيّتنا محرّرة ممّا يرهقها وما يحرمها النور البصر وما يسلبها الحرّية والكرامة، مؤمنين مع بولس في رسالته اليوم إلى أهل كورنثس بأنّ الذي أقام الربّ يسوع سيقيمنا نحن أيضًا مع يسوع؛ بالرغم من الضيقات والحيرة والقلق والخوف وحتّى الموت".
ولفت إلى أنّ "أمسِ، حالَ داست أقدامنا هذه الأرض المقدّسة، أرض الأردنّ، كانت أوّل زيارة لنا إلى موقع المغطس، زيارة حجّ وصلاة. أردنا أن نأتي إليكم من تلك البقعة التي اعتمد فيها السيّد المسيح ودَفن في مياه الأردنّ أخطاءنا وخطايانا كلّها، وجَدّدَنا وجَدّد الكون كلّه والطبيعة كلّها. أردنا أن نبدأ زيارتنا بدفن أخطائنا وخطايانا بما فيها أيضًا مشاكلنا وصعوباتنا و"قصصنا" وخلافاتنا وأحكامنا المسبقة وأفكارنا المتحجّرة، لنأتي إليكم اليوم أنقياء لابسين المسيح، حاملين إليكم السلام والفرح والمحبّة، متسلّحين بالرجاء؛ ومشاهدين منذ الآن في هذه الأبرشيّة سماء جديدة وأرضًا جديدة".