لبنان* في رسالته وكينونيته الوجودية هو تلاقٍ وتعايش وحوار ومحبة وقبول حق التنوع والغيريّة للآخر المفترق والمختلف ديناً وثقافةً وعقيدةً وعادات وسلوكيات.
أرض حرية وكرامة وحبّ وإحترام وإقتسام فرح وأحزان، الأعياد والأفراح. الحريّة الكيانية الوجوديّة هي أساس عظمة الوجود الإنساني والشخصيّة البشريّة والكرامة، وبالوقت ذاته منبع مأساوية وفاجعة. هذا الوجود لأنه منبع القرار والخيار والمبادرة والمسؤولية من الخطيئة الى النعمة. لبنان هو وجود رسوليّ روحيّ في ضمير الإنسانيّة وواحة كرامة للتلاقي والحبّ والإحترام والحوار.
إنه وطن شاءه مؤسّسوه منذ إعلانه لبنان الكبير قبل مئة وأربعة أعوام أرضًا يمكن أن يعيش فيها بسلام وحريّة وإحترام مختلف الديانات والمجتمعات والثقافات والحضارات والاثنيات والاعراق والاجناس. هنا يتلاقى الموارنة الرواد وفكرهم اللاهوتي التجسّدي والزهد، وتعلقهم بالأرض وطقوسهم الجميلة والبساطة وعيشهم الرهباني مع أهل السنّة وإله الرحمة والعدل، وأهل الشيعة وفاجعتهم وحزنهم وأساهم وشخصيتهم المميزة، وأهل العرفان الدرزي والعقل والحشمة والقاف والحكمة، وأهل الشك والقلق الجارح المأساوي الوجودي البروتستانتي، وأهل المذبحة الارمنية وطقوس النور والحياة وأناشيد البقاء والقيامة، والأرثوذوكسيّة وايكونوستاز البهاء الالهي والتعلّق بالإيمان القوّي والاستقامة وعظمة الاباء واللاهوتيين، وهنا أيضاً يلتقي الأرمن مع المذبحة الأرمنيّة مع الأشوريين وأهل الجذور والملامح وحمورابي ونبوخذ نصّر وصلاة الزهّاد، والسريان وأناشيد الآباء والشعراء والملافنة الكبار منبع الفكر المشرقي اللاهوتي، وهنا أيضا أهل الشك بوجود الله وبالحياة الأخرى.
لبنان فسيفساء رائعة في وحدة جمالّية فريدة في تاريخ الثقافات والحضارات والمسارات الانسانية والروحية واللاهوتية. جميع هذه الاثنيات تعايشت سويّة، وتفاهمت على ما يجمع بينها وقبلت تنوّعها واختلافها وتعدّدها وتمايزهها وغيريّتها باحترام وسكينة. أهلها عاشوا بوئام تحت سقف الوطن الواحد، وتوافقوا على أن التعاليم الصحيحة للاديان تدعو الى عيش قيم السلام والتعارف والمحبة والأخوّة الإنسانيّة وتبادل الحياة وعيش الأعياد والاحتفالات سويّة، وتلاقوا على احترام الجوهر الأساسي، الذي هو الحريّة والتي هي حقّ لكل إنسان، ومارسوا الحوار والتفاهم ونشروا ثقافة التسامح وقبول الآخر المختلف، وتعايشوا معه واقتسموا سويّة المساحة الهائلة بالقيم الروحية والانسانية والاجتماعية والاخلاقيّة مع عيش الفضائل الكبرى التي تدعو لعيشها الاديان بالمحبة والاخلاق والسلوك الحسن وقبول الاخر. وقبلوا فيما بينهم مواطنة واحدة تقوم على المساواة في الواجبات والحقوق ونبذ العنف والتباغض والكراهية والعدائيّة وحب الوطن والدفاع عنه وعدم العمالة للأجنبي والغريب.
لبنان هو مشروع وسلام وأخوّة وحبّ ورسالة وأخوّة نموذجيّة للبشريّة جمعاء وللمجتمعات المتنوعة والاثنيات المفترقة. ولنحافظ على هذه الوديعة الثمينة وعلى هذا الارث الغالي الذي تركه الآباء والاجداد، وعلى هذه البركة والنعمة التي وهبنا اياها الله وأعطانا إياها بمحبته وجوده وكرمه والا فنبكي دماً على فقده ساعة لا ينفع الندم والبكاء.
وكما قال قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني "لبنان رسالة الى العالم"، فتكون خطيئة العالم كبيرة، وستبكي البشرية دماً إذا فقدت لبنان وإذا زال الوطن، وسنبكي وطناً لم ندافع عنه كالرجال. أتركوا لي هذه الجوهرة المقدسة التي أحملها بين يديّ وهي الوديعة الكبرى والارث العظيم وفيها كل الاديان والحضارات والشعوب والثقافات والاثنيات.
*لمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول عام 1920