منذ العام 2005، تتّهم بعض الأوساط السياسية، "حزب الله" و"حركة أمل"، بالسعي إلى تغيير الدستور، حيث كان العنوان الأبرز الحديث عن تكريس المثالثة في النظام، الأمر الذي تم نفيه في أكثر من مناسبة، لا سيما عندما تحدث أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، عن أن فكرة المثالثة مصدرها الجانب الفرنسي، الذي طرحها، خلال ولاية جاك شيراك الرئاسيّة، على الإيرانيين، لكن تم رفضها من قبل الثنائي الشيعي، مؤكداً أن مصلحة لبنان تكمن بالمناصفة.

إنطلاقاً من ذلك، أثار كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الأحد الماضي، عن الجهوزية لتعديل الدستور، في حال أراد البعض ذلك، الكثير من علامات الإستفهام حول توقيته، في حين كان الحزب يطرح، طوال السنوات الماضية، معادلة الحاجة إلى تطبيق الدستور بالدرجة الأولى، خصوصاً أن المنطقة قد تكون، في الأشهر المقبلة، على موعد من العديد من التطورات الخطيرة، إنطلاقاً مما يحصل في قطاع غزة وجنوب لبنان.

في هذا السياق، تشير مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أن هذا الأمر غير مطروح، في المرحلة الراهنة، بأي شكل من الأشكال، لا سيما أن أي تعديل للدستور، من العيار الثقيل، يتطلب إجماعاً وطنياً حوله، بالإضافة إلى توافق إقليمي ودولي، وتشدد على أن ذلك غير متوفر، في الوقت الحالي، لا بل من الصعب أن يتوفر في وقت قريب، لكنها ترى أن من الضروري السؤال عن مواقف حلفاء "القوات" من مثل هذا الطرح.

بالنسبة إلى هذه المصادر، السؤال الأبرز من المفترض أن يوجه إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الراعي الرسمي لإتفاق الطائف، لا بل هي كانت، قبل أشهر، تعتبر أن التمسك بهذا الإتفاق من البنود الأساسية التي يجب أن يتمسك بها أي مرشح رئاسي مفترض، وتضيف: "من الصعب تصور أن الرياض اليوم توافق على مثل هذا الكلام، خصوصاً في ظل التطورات القائمة على المستوى الإقليمي، إلا إذا كان هناك من معطيات جديدة لم يتم الكشف عنها بعد".

بالإضافة إلى ما تقدم، تلفت المصادر نفسها إلى أن من كانوا حلفاء "القوات"، منذ العام 2005، أي "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، ليسوا في وارد الموافقة على ذلك، بسبب المخاطر التي من الممكن أن تنجم عن مثل هكذا طرح، من وجهة نظرهم، لا بل هناك من الحلفاء من يعتبر أن ذلك يعتبر "خدمة" مجانية تقدم إلى الثنائي الشيعي، في إطار المزايدات التي لا فائدة منها.

في إطار المقدمات لهذا الطرح، كان جعجع قد تحدث عن إنتخاب رئيس للجمهورية أولاً، تبعاً للدستور، قبل الدعوة، بعد ذلك، إلى طاولة حوار وطنية في قصر بعبدا، تطرح عليها كل الشؤون والشجون الوطنية، تحت عنوان: "أي لبنان نريد"؟ في مقابل رفضه، بشكل حاسم، الذهاب إلى حوار، من أجل الوصول إلى إتفاق حول الإستحقاق الرئاسي.

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، الحاجة إلى حوار وطني جدي، بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين، للبحث في العديد من الملفات العالقة، لكنها ترى أن هذا الأمر لا يجب أن يصل إلى الدستور، الذي لم يطبق في الأصل بشكل كامل منذ تعديله في الطائف، نظراً إلى أن ذلك، على الأرجح، سيؤدي إلى تعقيد الخلافات بدل المساعدة في معالجتها، خصوصاً في ظل الطروحات المتباينة التي كانت قد عادت، في السنوات الماضية، إلى الواجهة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، مثل هكذا طرح سيعقد أيضاً مسألة الإتفاق على إسم الرئيس المقبل، على إعتبار أنه يضيف، إلى المهام الكثيرة المطلوبة منه، مهمة خطيرة، لا سيما أن جعجع كان قد ذهب إلى الحديث عن إنتخاب الرئيس قبل ذلك، الأمر الذي يعزز وجهة نظر الفريق الآخر، الذي يطالب بالإتفاق على إسم الرئيس أولاً، إذا كان المطلوب منه رعاية حوار حول ملفات من هذا النوع، بينما وجب التشديد على أن من مهمة أي رئيس مقبل العمل على تطبيق الدستور بشكل كامل.

في المحصلة، توضح المصادر نفسها أنه حتى ولو لم يكن جعجع يقصد الذهاب بعيداً في هذه المسألة، لا سيما أن كلامه جاء تحت شعار "إذا كان البعض يريد، فنحن جاهزون"، فإن هذا الأمر لا يمكن المغامرة فيه، نظراً إلى أن هذا الباب في حال فتح لا أحد يعرف كيف يغلق، ولا التداعيات التي قد تترتب على ذلك، لا سيما أن التوقيت غير مناسب على الإطلاق.