في خطابه الأخير يوم الاثنين الماضي، كان رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أكثر وضوحاً من أيّ وقت مضى، إذ وصل به الحال لكي يعبّر عن رفضه حتى لخروج القوات الاسرائيليّة من جنوب لبنان في تحرير أيار عام 2000، وأعلن بوضوح أنه الحاكم الأوحد في إسرائيل، ولا شيء سيوقف الحرب قبل أن يرى هو أن أهدافها قد تحققت.
بالنسبة إلى رئيس حكومة العدو فإنه الشخص الوحيد القادر على اتخاذ قرارات سليمة في إسرائيل، وهو الوحيد القادر على رسم مستقبل الكيان، وتحقيق الأمن والاستقرار له، فلا المؤسسة الأمنية نجحت في توقع عملية طوفان الأقصى، وهي التي كانت تعتقد أن خطر حركة حماس في غزّة قد تمّ تحييده، وهي التي لا ترى مشكلة في مقاومات الضفة الغربية، وهي التي تعتبر اليوم أنه بالإمكان الخروج من محور فيلادلفيا لأجل صفقة تبادل أسرى، ولا حتى المؤسسة القضائية نجحت في عملها، ولا حتى المؤسسة العسكرية التي خرجت من معابر غزة منذ أعوام وخرجت من لبنان قد نجحت بمنع وصول اسرائيل الى عملية طوفان الأقصى وشعورها بالتهديد الوجودي.
بحسب مصادر سياسية متابعة فإن نتانياهو كل واضحاً برغباته، فهو أولاً يرغب بالقضاء على حركة حماس أمنياً وعسكرياً وسياسياً، وعندها فقط يمكن انتهاء الحرب مع استمرار السيطرة على غزّة أمنيا بعد تقسيمها، ويرغب باجتياح الضفة الغربية وتهجير شعبها أو لجزء منها الى الأردن، وتحييد خطر مجموعات المقاومة الصغيرة التي تمتلك إمكانات بسيطة للغاية مقارنة مع ما كانت تمتلكه حركة حماس في غزة، ويرغب بعد الانتهاء من هذين الهدفين، أن ينتقل بثقله الى الجبهة الشماليّة مع لبنان لتحييد خطر الحزب، فإذا كان نتانياهو مستعداً لخوض الحرب في الضفة لانهاء خطر رشاشات آلية وعبوات، كيف ينظر الى لبنان إذاً؟.
تُشير المصادر الى أنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي الّذي يعتبر أن الخطر الذي تعيشه بلاده اليوم وجودياً لا يمكن أن ينهي الحرب ما لم يُزِلْ المخاطر التي تُحيط باسرائيل من كل جانب، لذلك فهو بتفكيره أنه يجب عليه التوجه نحو جبهة الشمال عاجلاً أم آجلاً، للحصول على ضمانات طويلة الأجل باستقرار كامل، سواء حصل على الضمانات بالقوّة أم بالتفاوض.
ترى المصادر أنّ ما يدور بعقله المهووس هو الحرب، والحرب فقط، بالنسبة إليه، وبناء على الأسس التي قامت عليها الدولة العبريّة، وعلى العقيدة الأمنيّة للجيش الإسرائيلي، فإنّه لا مكان للتراجع، بل التقدّم الى الأمام حتى لو كان المسار ضبابياً والنتيجة غير واضحة، بمعنى أن نتانياهو قد يُقدم على تهوّر جديد في لبنان وسوريا أو في إيران، حتى لو كان يكلّفه ذلك حرباً اقليميّة، ولو كانت غير محسومة النتائج.
إذاً، قد يتجه نتانياهو الى التصعيد، واليوم مع وجود كل هذه الضغوطات عليه داخل اسرائيل، وزخم التحركات الشعبية والتظاهرات الذي يؤرقه، تخشى المصادر أن يهرب الى الأمام، وهو بدأ بذلك من خلال ضرب كل محاولات التفاوض التي عُقدت خلال المرحلة الماضية، وبحسب المصادر فإن الهروب الى الأمام بعقله قد يكون على شاكلة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية أو القائد في حزب الله فؤاد شكر، مشددة على أن التحدي اليوم أمام حلفاء نتانياهو في أميركا والخصوم في اسرائيل، والاعداء في محور المقاومة هو كيف يمكن إفشال ما يدور برأسه؟!.