حين دخل حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة قصر العدل في بيروت لم يكن يدرك أنه سيغادره موقوفاً الى نظارة قوى الامن الداخلي، ولا حتى أي شخص تعاطى بهذا الملف من المعنيين به كان يشعر حتى أن الملف بدأ يأخذ هذا المنحى، الواضح أن مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار أراد أن يكون للقرار الذي اتخذه وقعاً خاصا تصل أصداءه الى خارج لبنان، وهذا ما حصل، فحتى وكالات الصحافة الاجنبية ضجّت بهذا الخبر... والسؤال لماذا الان وبهذا التوقيت بالذات؟.
لا يُمكن الجزم بهذا الموضوع، ولكن الأكيد أنه بإنتظار لبنان استحقاقات دوليّة هامة أبرزها تصنيفه من قبل مجموعة العمل المالي الدولية FATF التي كانت ترسل تقارير الى بيروت تشير فيها بشكل أساسي الى وجود نقص في الشفافية وفي مكافحة تبييض الأموال، وبالتالي تعتبر أن هناك خللاً في الجسم القضائي. هنا يشرح الخبير الاقتصادي ميشال فياض الى أنه "إذا تم إدراج لبنان على القائمة الرمادية للمجموعة فهذا يعني أن أنظمة البلاد الماليّة لا تفي بالمعايير الدولية ويزيد من عزلتها مالياً دوليا".
بدورها الخبيرة في الشؤون المالية والمصرفية الدكتورة سابين الكك تشير الى أن "المعنيين بالموضوع يدركون خطر ادراج لبنان على القائمة الرمادية، وحاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري اعتبر أن المصرف المركزي يقوم بواجباته وأن هناك تقاعساً في السلطة التشريعية وأن القضاء لا يقوم بواجباته، وبالتالي الموضوع ليس لديه أو لدى مصرف لبنان".
وتساءلت الكيك "هل ثمن عدم إدارج لبنان على اللائحة الرمادية هو الضجة التي حصلت بالامس"؟ لتعود وتؤكد أن "صورة توقيف سلامة بهذه الطريقة حتماً فعلت فعلها ولكن هل هذا يكفي؟ إذا كان هناك من تسوية فربما قد يكون كافياً ولكن إذا تحدثنا عن المتطلبات فالأكيد أنها لا تقف عند حدود التوقيف الذي حصل"، لافتة الى أن "تطبيق الحوكمة في مصرف لبنان بالبيانات الماليّة، القيام بملاحقات جديّة بموضوع مكافحة تبييض الأموال والجرائم المالية، كذلك الالتزام بالتعديلات التي حصلت بموضوع رفع السريّة المصرفية كلها قد تكون متطلبات جديّة لعدم تخفيض تصنيف لبنان ووضعه على اللائحة الرمادية".
يعود ميشال فياض ليشير الى أن "الاقتصاد النقدي يمثّل ما يقارب ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للبنان، الّذي إذا انضم إلى القائمة الرمادية، فإن ذلك يعني أن نظامه لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب غير كاف، ونمو هذا الاقتصاد النقدي له انعكاسات كبيرة على قدرة البلاد على الالتزام بمعايير مجموعة العمل المالي، ولا سيما في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب"، معتبرا أن "تتبع المعاملات النقديّة يصبح أصعب بكثير مما يزيد من مخاطر الممارسات غير المشروعة وتتعرض قطاعات العقارات والبناء والتجارة بشكل خاص لهذه الانتهاكات".
لربما قد يكون إستشعر المعنيون بخطر تصنيف لبنان على اللائحة الرماديّة، فكان توقيف رياض سلامة بالشكل الذي تمّ ثمناً لعدم تخفيض هذا التصنيف ولارسال رسائل جديّة الى الخارج أن لبنان يقوم بخطوات في مجال مكافحة تبييض الأموال وغيره...