كتبت صحيفة "الاخبار"، أن "أمس تكشّفت تفاصيل مجريات يوم الثلاثاء التي أفضت إلى توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بعدما استمع إليه مدّعي عام التمييز بالإنابة القاضي جمال الحجار".
واشارت معلومات الصحيفة، الى أن "سلامة أراد حلاً لمشكلة منعه من السفر بناءً على الإشارة التي أصدرتها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، ومحاولة فكفكة القيود الخارجية عليه عبر التعاون مع القضاء المحلي على طريقة "الشاهد الملك". لذلك، وبعد مشاورات بين وكيله القانوني والقاضي الحجار، قرّر سلامة الحضور إلى قصر العدل كمستمع إليه في ملف شركة "أوبتيموم" وأمور أخرى على علاقة بمصرف لبنان، فيكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر واحد: يتعاطى إيجاباً مع القاضي الذي يمسك بملفه، بما يمهّد لاحتمال حصول خرق ما في الخارج على شاكلة إلغاء ألمانيا قبل أشهر مذكّرة التوقيف بحقه".
ولفتت معلومات الصحيفة، الى أن "مجريات الجلسة شكّلت مفاجأة لسلامة الذي يبدو أن ثمة من أعطاه تطمينات باستحالة توقيفه. لذا، لم يكن يتوقع أن يواجه بوثائق وأدلة تثبت اختلاسه أموالاً عامة، وأن يعمد الحجار إلى توقيفه نتيجة ظهور معطيات تؤكد تورّطه، وهو ما يقوم به القضاة غالباً في جلسات الاستجواب. وما إن وصل ملف سلامة إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم أمس، حتى ادّعى عليه الأخير وحوّله موقوفاً إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي بجرائم الاختلاس وسرقة أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع، طالباً استجوابه وإصدار مذكّرة توقيف وجاهية بحقه سنداً إلى مواد الادّعاء، علماً أن إبراهيم رفض سابقاً تسجيل ملف شركة "فوري" (يملكها شقيق الحاكم رجا سلامة واستخدمها سلامة لتبييض الأموال إلى الخارج) عندما حُوّل إليه من قبل النائب العام الاستئنافي للادّعاء بعدما أنجزه القاضي جان طنوس، وردّه إلى مرسله. وعليه، بات يفترض بحلاوي إصدار مذكّرة توقيف وجاهية بناءً على طلب المدعي العام يليها تعيين موعد لجلسة استجواب سلامة الذي يُتوقع أن يقدّم دفوعاً شكلية وطلباً لإخلاء سبيله لقاء كفالة مالية".
واضافت الصحيفة، يتضمّن ملف الادّعاء، وفق المعلومات، "كتاباً من هيئة التحقيق الخاصة في المصرف تفيد بتحويل 42 مليون دولار من حساب "الاستشارات" في مصرف لبنان إلى المحامي ميكي تويني، قام بدوره بتحويلها إلى ابن شقيقة سلامة، المحامي مروان عيسى الخوري، ليحوّلها الأخير مجدداً إلى حساب سلامة الخاص في المصرف المركزي. وقد وصلت هذه المعلومات إلى الحجار بناءً على التكليف الذي أرسله إلى الحاكم بالإنابة وسيم منصوري يطلب فيه داتا العمليات التي كانت تحصل عبر حساب الاستشارات، ومن ضمنها عمولات شركة "أوبتيموم"، ومن الـ 111 مليون دولار التي كشفت شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز أند مارسال" في تقريرها أنها دخلت إلى حساب "الاستشارات" في المصرف المركزي، وهو الحساب الذي رفض سلامة كشف التحويلات التي حصلت عبره بذريعة أنه من خارج ميزانية المصرفط.
في هذا السياق، اوضحت معلومات صحيفة، "الشرق الاوسط"، أنه "يفترض أن يضع القاضي حلاوي يده على الملفّ صباح الخميس، ويبدأ دراسته على أن يحدد موعداً لاستجواب الحاكم السابق يوم الجمعة أو صباح الاثنين المقبل بحضور فريق الدفاع عنه، وفي نهاية الاستجواب يتخذ قراراً بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقّه إذا كانت الشبهات معززة بالأدلة والوثائق، أو تركه بسند إقامة إذا نحج سلامة ووكلاؤه بتقديم مستندات تدحض الشبهات التي تحوم حوله وكانت سبباً لتوقيفه".
في هذا السياق، توقع مصدراً قضائياً مطلعاً على ما يدور في أروقة قصر العدل، لصحيفة الشرق الاوسط، أن "يسلك الملفّ مساراً طويلاً ومتشعباً، خصوصاً أن المبالغ المالية المشتبه باختلاسها من أموال البنك المركزي تفوق الـ40 مليون دولار"، مشيراً إلى أن "خطوة الحجار التي سبقت قرار التوقيف اكتسبت طابع السرية التامة، وهذا ما أدى إلى نجاح الإجراءات القضائية".
وأكد المصدر لـ"الشرق الأوسط"، أن "الأسلوب الذي اعتمده النائب العام التمييزي لجهة تحديد جلسة الاستجواب من دون الإعلان عن ذلك مسبقاً وبعيداً عن الاستعراضات، يدلّ على اعتماد مسار قضائي سليم وغير معلّب". وقال إنه يأتي "بخلاف التبليغات السابقة التي كانت ترسل إلى سلامة وتسببت بكثير من الإشكالات حتى بين الأجهزة الأمنية، ما مكنّه من الإفلات من التحقيق سواء أمام القضاء اللبناني، أو الامتناع عن تبلغ المذكرة التي أرسلتها القاضية الفرنسية أود بوروزي، واستدعته للمثول أمامها في دائرة التحقيق في باريس، ما استدعى إصدار مذكرة توقيف غيابية تحوّلت إلى نشرة حمراء عممت عبر الإنتربول الدولي"، مشيراً إلى أن "رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية العميد نقولا سعد انتقل يوم الخميس الماضي على رأس دورية من قسم المباحث إلى منزل سلامة في طبرجا، حيث تبلغ الأخير شخصياً ووقّع على المذكرة، بما لا يسمح له بالتغيّب عن الجلسة أو يتذرّع بأي سبب"، مشيراً إلى أن "الإجراءات القائمة حالياً دقيقة وتراعي المعايير القانونية، وتحفظ سلامة العمل القضائي بعيداً عن التوظيف السياسي".
وقال المصدر القضائي للصحيفة، إنه "يفترض تكشف جلسات الاستجواب أمام قاضي التحقيق عن أسماء جديدة ستوضع على قائمة الاستدعاءات"، جازما بأن "القاضي حلاوي سيستدعي كل من يبرز اسمه أو دوره خلال الاستجواب ليصار إلى التحقيق معه بما يؤدي إلى استعادة أموال الدولة وأموال الناس"، مشيراً إلى أن "الإجراءات القضائية خرجت من مرحلة صناعة البروباغندا الإعلامية التي كانت معتمدة في السابق إلى مرحلة ضمان العدالة وإحقاق الحق".
وعلمت "الشرق الأوسط"، أن "هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثّل الدولة اللبنانية ستواكب المسار القضائي الجديد، وقد تعمد إلى الادعاء على سلامة باسم الدولة، كما فعلت في الملفّ السابق الذي لا يزال عالقاً أمام الهيئة الاتهامية، ومجمّداً منذ 13 شهراً بفعل دعاوى المخاصمة التي رفعها سلامة ضدّ رؤساء ومستشارين في ثلاث هيئات تعاقبت على هذا الملفّ، ولم تحدث فيه أي خرق لدعاوى المخاصمة التي كبّلتها، ولكون الهيئة العامة لمحكمة التمييز المخوّلة البتّ بدعاوى المخاصمة منحلّة، ولا إمكانية لتعيين هيئة جديدة، قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإجراء تعيينات جديدة في المراكز القضائية الحساسة، ومن ثمّ إجراء تشكيلات قضائية عامة وشاملة تؤدي إلى انتظام عمل السلطة القضائية".
وكشف أحد وكلاء سلامة لـ"الشرق الأوسط"، أن "فريق الدفاع لا يزال تحت تأثير الصدمة جراء توقيف موكلهم، خصوصاً أنهم لم يطلعوا على قرار استدعائه إلى التحقيق من قبل النائب العام التمييزي". وقال: "تفاجأنا جميعاً بما حصل ولا نعرف خليفات هذا القرار، ولا يمكننا أن نفعل شيئاً قبل أن يمثل سلامة أمام قاضي التحقيق، ونحضر الجلسة، ونطلع على حيثيات القضية والمستندات التي بررت توقيفه"، مبدياً أسفه لأن "كل ما نعرفه عن هذه القضية تلقيناه عبر الإعلام".