يجاور دير مار أنطونيوس في النبطية الفوقا الجوامع في المدينة، لتتجلى لغة العيش الواحد وترتفع من الجانبين لغة سمحاء وحكمة ودراية، وهو ما يركّز عليه رئيس الدير الأب جوزف سمعان، في حديث لـ"النشرة"، مشيراً إلى أنّ لهذا الدير، الذي تأسس في العام 1907، قيمته الدينية للخدمة الرعائيّة، كمزار لأبناء رعية مار انطونيوس، وهو اليوم موئلاً للعيش المشترك في المنطقة.
ويتألف الدير من طابقين، حيث تحيط به أشجار الصنوبر والزيتون، والخضرة الدائمة على مر الفصول، كما تجاوره الجوامع المواجهة له، في النبطية والنبطية الفوقا وكفرتبنيت، لتتجلى لغة الخالق من خلال الابداع الديني، الذي ينسحب على الخطب الدينية التي تمجد الخالق والصلوات التي تشكل سمفونية العيش المشترك.
ويلفت الأب سمعان إلى أنّ الدير هو مزار لأبناء الطائفة المارونيّة، في منطقة النبطية والجوار، وقيمة تاريخية وتراثيّة، من خلال حجارته القديمة التي بني بها عند تشييده لكل أبناء المنطقة، حيث يحافظ على الفن العمراني القديم، رغم تعرضه للقصف الإسرائيلي خلال فترة إحتلال الجنوب.
وقد تعرض الدير للقصف، خلال فترة إحتلال الجنوب، وكان شاهداً على انسحاب القوات الاسرائيلية من تلال علي الطاهر، في شهر أيار من العام 2000، المشرفة عليه، والتي كانت تصل بنيران حقدها لاستهدافه وشلّ الحركة فيه، لأنه موقع ديني ووطني في المنطقة.
في هذا السياق، يشدّد الأب سمعان على أن "الدير كان وسيبقى نموذجاً للعيش الواحد والأخوة الصادقة في هذه البقعة الجنوبية المقاومة، وهو رمز للشهادة، ففيه نشهد بين أخوتنا المسلمين الشيعة على القواسم والقيم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي كثيرة جداً، من زيارات ومحبة متبادلة وحوار وعمل مشترك وتقاسم لقمة العيش معاً والمصير الجنوبي الواحد".
كما يلفت إلى أن دير مار أنطونيوس لعب دوراً بناء في أحلك الظروف وأصعبها، من حيث جمع أبناء المنطقة للحوار والتأكيد على التواصل في وجه الفتنة ورياحها، أما اليوم فبات مركزاً للتلاقي والتعايش، وقد احتفل بيوبيله الذهبي ويستعد ليحافظ على دوره المتنوع، بعدما تعاقب على رئاسته 25 رئيساً.
في العام 1944، بنيت الكنيسة في الدير مع الطابق الثاني، وقد تم ترميمه وتجديده من الداخل والخارج، في الفترة الممتدة من العام 1995 حتى العام 2010، وفي العام 1965، بنى الدير مدرستين وسلّمهما للدولة، كما قدم قطعة أرض للجيش اللبناني، بنى عليها ثكنة عسكرية له تسمى ثكنة الشهيد النقيب عصام شمعون.
ويلفت الأب سمعان إلى أن الدير سجل في تاريخه محطات وطنية مشرقة، في تاريخ العلاقات الاسلامية-المسيحية، بعدما زاره وباركه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 25 أيلول من العام 2011، في اطار زيارته الرعوية للجنوب، حيث التقت مختلف أطياف المجتمع، وافتتح الجميع قاعة فيه، تحمل اسم الكاردينال الراعي، "عربون محبة وتقدير لدوره الوطني".
ويشير إلى أن الدير "ساهم ويساهم في التنمية البشرية والاقتصادية في المنطقة والجوار، حيث هناك أكثر من 250 عائلة تعتاش وتؤمّن تعليم أولادها من عملها واستثماراتها في أراضيه، وهو يساهم أيضاً في بقاء الأراضي واستثمارها وعدم بيعها إلى أي كان".