قبل نحو أربعة أشهر من انقضاء الولاية الممدّدة لقائد الجيش العماد جوزيف عون، في العاشر من كانون الثاني المقبل، توحي الأجواء السياسية بأنّ "معركة" التمديد الثاني له قد بدأت عمليًا، أو على الأقلّ أنّ "جسّ النبض" تحضيرًا لمثل هذا التمديد قد بدأ، في ضوء معطيات تشير إلى "تقاطعٍ واسع" بين مختلف القوى السياسية على مثل هذه الخطوة، ولو أنّ بعض الأطراف تترك حسم قرارها في هذا الاتجاه أو ذاك، إلى "ربع الساعة الأخير".

وإذا كان رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل قاد "المعركة المضادة" العام الماضي، انطلاقًا من موقف "مبدئي" رافض للتمديد في كلّ الظروف، كما يقول، واستنادًا إلى دحض "فرضية الفراغ" في المؤسّسات، التي تضمن الاستمرارية بمعزل عن الأشخاص، فإنّ ثمّة من يعتقد أنّ موقفه قد لا يكون بالحدّة نفسها هذه المرّة، بالنظر إلى سياسة "تصفير المشاكل" التي يعتمدها، ومحاولته لعب دور "وسطيّ" بين الأطراف.

لا يعني ذلك أنّ باسيل لن يكون "رأس حربة" في معارضة التمديد، وهو الذي لا يحبّذ إبقاء العماد عون في السلطة، ما يتركه برأيه "مرشحًا رئاسيًا مستترًا"، إلا أنّ المشكلة التي قد يواجهها تتمثّل في أنّ "البدائل" لا تبدو ناضجة، أو مضمونة، فتعيين رئيس الأركان الذي يفترض أن يستلم مكان القائد في حال غيابه، لا يزال معلَّقًا بسبب طعن وزير الدفاع، المحسوب على باسيل، بقرار التعيين، كما أنّ المجلس العسكري "شبه مشلول" أيضًا.

أما التعيينات التي تقول المعلومات إنّ باسيل لا يعارضها، إن أتت على شكل "سلّة متكاملة"، بحيث تشمل قيادة الجيش والمجلس العسكري في الوقت نفسه، فتبقى مُستبعَدة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، ورفض شريحة واسعة من اللبنانيين الذهاب إليها قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهل يبرّر كلّ ذلك "فتح" معركة التمديد لقائد الجيش قبل أربعة أشهر من وقتها، وما هي السيناريوهات والاحتمالات الواردة في التعامل مع هذا الاستحقاق؟!.

لعلّ ما فتح "معركة" التمديد لقائد الجيش اليوم تمثّل في القرار الذي أصدره مجلس شورى الدولة قبل أيام، وقضى بوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع موريس سليم التمديد للواء بيار صعب، وذلك بناءً على المراجعة التي تقدّم بها العميد الركن إدكار عبدو لاوندس في وجه وزارة الدفاع واللواء صعب، إذ رأى كثيرون أنّ هذا القرار جاء ليزكّي "مبدأ" التمديد لقائد الجيش، باعتبار أنّه يشلّ المجلس العسكري، ولا يتيح له استلام صلاحيات قائد الجيش، في حال غيابه.

ومع أنّ قرار مجلس شورى الدولة النهائي بخصوص أساس المراجعة لم يصدر بعد، إذ يمكن أن يقبل المراجعة ويبطل القرار، أو يردّ المراجعة ويعلن صحة القرار المطعون فيه، إلا أنّ حدوث ذلك قبل تاريخ السابع والعشرين من أيلول الجاري، وهو موعد تقاعد اللواء بيار صعب، أمرٌ مُستبعَد بحسب ما يقول القانونيون، باعتبار أنّ أقلّ من شهر يفصل عنه، ما يضع المجلس العسكرية عمليًا أمام خطر التعطيل الحقيقي والجدّي.

فمع تقاعد اللواء بيار صعب، يفقد المجلس العسكري أربعة من أعضائه، بفعل التقاعد، ليصبح قائمًا على عضوين فقط يُحالان بدورهما إلى التقاعد في المدى المنظور، فولاية قائد الجيش تنتهي مطلع العام، إذا لم يتمّ التمديد له، في حين يُحال الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى إلى التقاعد في العام 2027، ما يعني أنّ المجلس أصبح حاليًا يقتصر على عون ومصطفى، أقلّه ريثما يُحسَم وضع رئيس الأركان.

وإذا كان البعض "يعوّل" على تسوية وضع رئيس الأركان، قبل انتهاء ولاية قائد الجيش، من خلال صدور نتيجة الطعن المقدّم من وزير الدفاع بقرار التعيين، فإنّ العارفين يشكّكون بفرضية أن يستلم الأخير صلاحيات قائد الجيش، بمعزل عمّا يقوله الدستور في هذا الشأن، حتى إنّ بعض التسريبات تنقل عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط رفضه المطلق لمثل هذا الاحتمال، الذي سيؤدي إلى خسارة المسيحيّين موقعًا آخر، بعد حاكمية مصرف لبنان.

لكلّ هذه الأسباب، يُعتقَد أنّ خيار التمديد لقائد الجيش للمرّة الثانية على التوالي هو الأرجح، ما لم يطرأ خلال الأسابيع المقبلة ما يمكن أن يغيّر الاتجاه السائد، سواء على مستوى نتائج الطعون، أو على مستوى انتخاب رئيس للجمهورية، في وقتٍ تُطرَح علامات الاستفهام حول الصيغة التي سيتمّ من خلالها، سواء عبر الحكومة أو مجلس النواب كالعام الماضي، وكذلك حول إمكانية توظيف هذا الاستحقاق سياسيًا، من قبل هذا الطرف أو ذاك.

بالنسبة إلى احتمال صدور قرار التمديد عن الحكومة، يقول العارفون إنّه مُستبعَد، تمامًا كما أنّ ذهاب الحكومة إلى سّلة متكاملة من التعيينات أمرٌ مُستبعَد، فإذا كان الإجماع متعذّرًا بشأن التعيينات، التي قد تُصنَّف "تطبيعًا مع الفراغ" من قبل بعض الأطراف، فإنّ مرسوم التمديد "متعذّر" لأسباب من بينها، أنّ الاقتراح يجب أن يصدر أساسًا عن وزير الدفاع، والأخير ليس في الوارد، وهو الذي طعن بقرار تعيين رئيس الأركان بالشكل الذي تمّ فيه.

انطلاقًا من ذلك، يقول العارفون إنّ الأرجح أن يتكرّر سيناريو العام الماضي بحذافيره، فيصدر التمديد عن مجلس النواب، إما وفقًا للصيغة نفسها التي أقرّت سابقاً، مع تغيير التواريخ، وإما وفقًا لاقتراح قانون جديد، يشمل قادة الأجهزة الأمنية بالمُطلَق، أو حتى جميع ضباط ورتباء الأسلاك العسكرية والأمنية، وهو ما تدفع بعض القوى السياسية باتجاهه، بناءً على اقتراح مقدّم من "الحزب التقدمي الاشتراكي" عبر كتلة "اللقاء الديمقراطي".

وفي وقتٍ يُرجَّح أن يغرّد "التيار الوطني الحر" وحده خارج سرب "التمديد"، من دون أن يرفع بالضرورة حجم معارضته لحدّ التصويب على القوى السياسية كما فعل العام الماضي، انسجامًا مع تكتيكاته "الوسطية" المستجدّة، ثمّة من يسأل عمّا إذا كان "الثنائي" يمكن أن يوظّف الأمر سياسيًا، أقلّه من باب "التعليم" على الفريق المُطالِب بجلسة انتخابية مفتوحة، كان من شأنها أن تشلّ البرلمان، وتمنعه بالتالي من إقرار أيّ تشريع، بما في ذلك التمديد.

في النتيجة، قد لا يكون دقيقًا القول إنّ "معركة" التمديد لقائد الجيش قد بدأت، لأنّ الحديث عن "معركة" في هذا السياق قد يكون مُبالَغًا به، وأنّ ما فُتِح هو ربما "بازار" التمديد الذي يقول كثيرون إنّه محسومٌ سلفًا بمعزل عن كلّ شيء، حفظًا للاستقرار الذي لا يجوز التلاعب به، ومنعًا لأيّ اهتزاز في المؤسسة العسكرية، ليبقى الثابت أنّ "كلمة سرّ" إعادة الانتظام للمؤسسات، ومنع "ظواهر" التمديد المتنقّل، تبقى واحدة، وهي انتخاب رئيس للجمهورية، اليوم قبل الغد!.