في سياق العمل على تخفيض التصعيد العسكري بين حزب الله واسرائيل، والذي جاء بنتائج إيجابيّة حتى اللحظة بعد عمليّة رد الحزب على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، عاد العمل على خط التسوية السياسية التي تنطلق حكماً من انتخاب رئيس للجمهورية، والبداية كانت من لقاء المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان مع المسؤول عن الملف اللبناني بالمملكة العربية السعودي نزار العلولا.
بعد اقتناع القوى الدولية المؤثرة في الملف اللبناني بصعوبة فصل الجبهة اللبنانية عن الحرب القائمة على غزة، اقتنعوا أيضاً أنّ التسوية الرئاسية لا يمكن أن تُفصل عما يجري في المنطقة، لذلك يتم الربط اليوم بحسب مصادر سياسية متابعة بين مساعي وقف الحرب أو خفض التصعيد ومساعي التوصل الى تسوية سياسية في لبنان لا تشمل فقط رئاسة الجمهورية بل إعادة تكوين السلطة بشكل كامل.
من هنا يمكن البدء بقراءة لقاء لودريان والعلولا واللقاءات التي ستحصل لاحقاً الأسبوع المقبل بين سفراء الدول الخمس الذين يشكلون ما يُعرف باللجنة الخماسية، حيث بحسب المصادر من المتوقع ان يُعقد لقاء للسفراء الاسبوع المقبل في دارة السفير السعودي في بيروت للاطلاع منه على نتائج اجتماع لودريان والعلولا، وتُشير المصادر الى أن اللقاء بحد ذاته لا يشكل نقلة نوعية بالملف الرئاسي إنما هو مؤشر جدي حول وجود نوايا حقيقية لتحريك هذا الملف توازياً مع المساعي الأميركية للجم الحرب بين اسرائيل ولبنان.
بالرغم من إقرار المصادر بجدّية المساعي، إلا أنها تضع علامات استفهام حول النتائج المتوقعة منها، فالسعي لا يعني النجاح حكماً، ولو أن الدول المعنية بالتسوية السياسية اللبنانية يعتبرون أن الوقت الحالي هو المناسب لإنتاج رئيس يسبق انتخابات أميركا الرئاسية، على اعتبار أن احتمال وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض قد يؤجّل كل المساعي الهادفة لانتخاب رئيس، ويعتبرون أيضاً ان هذه النافذة الزمنية قد تشكل فرصة لحزب الله للوصول الى تسوية رئاسية تسبق وصول ترامب.
وفي هذا السياق تؤكد المصادر أن المساعي الجدية قد تصطدم بالواقع، فالحرب لا تزال قائمة، ومصيرها على الرغم من كل المساعي لا يزال مجهولاً، فرغم أن الجبهة اللبنانية شهدت نوعاً من خفض للتصعيد إلا أنّها تبقى معرّضة للإنفجار في أيّ مرحلة، خصوصاً انّ الاسرائيليين لا يزالون مصرين على مطلب ابتعاد الحزب لمسافة 10 كيلومترات عن الحدود، ويهدّدون يومياً بنقل الثقل العسكري من جبهة الجنوب الى جبهة الشمال مع لبنان، وبالتالي فإن ضبابية مستقبل الحرب وعدم وضوح ترتيبات الجبهة اللبنانية قد تجعل من انتخاب رئيس وتقديم تنازلات أمراً صعباً.
الجديد الذي قد يعول عليه في هذه المرحلة بحسب المصادر هو الرغبة السعوديّة بالإنخراط أكثر في الملفّ اللبناني، وهذا الأمر كان من الشروط الأساسية لنجاح أيّ تسوية في السابق، وبالتالي تؤكّد المصادر ضرورة التريث قبل الحديث عن نتائج المساعي الجديدة الى حين وضوح الأهداف الدوليّة والعربيّة، مشدّدة على أنّ التسوية الرئاسيّة ستظلّ مرتبطة بما يجري في الحرب، والتقدم في مساعي التهدئة قد يعني تقدماً في سياق الوصول الى هذه التسوية، التي باتت أغلب القوى السياسية تقاربها بمنطق جديد، سواء بما يتعلق بالحديث عن اليوم التالي للحرب، أو الحديث عن توازنات سياسية تسعى القوى الدولية لترجمتها من خلال انتخاب الرئيس.